تذكير قبل قراءتكم
للفصل الثاني
نعودُ خطوة لباب الذكريات حول أنواع الفيلق الشائعة
والتي تتردد كثيرًا خلال قراءتكم:
الفصل الثاني
قلعة البجع
بُنيت
القاعدة لغرضِ المراقبة في الجبهة الجنوبية للملكة المتحدة ، أين عُرفت بقاعدة
ريفيتش وبرزَت كقلعةٍ منيعة. لاحَت فوق الجبال الصخرية وعلى جميعِ جوانبها منحدرات
عميقة بارتفاعاتٍ تتراوح من المائة متر في أدنى المستويات إلى ثلاثمائة متر في
الأعلى ، مع قمم على شكلِ الألماس من الشمال حتى حدود الجنوب. غطّى الجليدُ
والصقيع المنحدرات بطبقةٍ سميكة وفي نفس الوقت جعلَ السطح الصخري ذو الأبيض الثلجي
شفافًا وحادًا ، وبالقربِ من قمةِ الجدران الصخرية تواجدت حواجز مصنوعة من طبقاتٍ
من الخرسانة المسلحة والألواح المدرعة. وعلى بعد مائة متر أخرى من القمة الشمالية
، برزَ جبل آخر كان بمثابة نقطة ارتكاز لقبة مظلة سميكة معززة ومنحوتة من الوجه
الصخري تغطي قمّته ، مثل بجعة تنشرُ جناحيها.
نُصبت
بوابة وحيدة في المنحدر الشمالي الغربي وهو الطريق المؤدي إليها فقط والمليء
بالمنعطفات والمتاهات.
كما
يتسلّق الطريق التلّ الشبيه بأحشاء الحيوان ، وكانت الفتحات المتعددة المهدّدة في الجدران
تابعة لأبراج المدافع.
"
هذه المنطقة في الأصلِ إحدى قلاعنا الحدودية ، لكننا نستخدمها الآن كموقع
للمراقبة."
حُفرت
الكثير من الثقوب في المظلة التي تغطي القمّة مثل الأجنحة المتعفّنة. وقتئذ قاد
فيكا لينا ومجموعتها ، متتبّعًا أعمدة ضوء الشمس التي سطعت خلال الشفق في الأيام
الثلجية. تألّف المشهد من أعجوبة لا تهوى عنها النظرات ، بعد تدارك أنّها تشكلت من
الأنهار الجليدية المتدلية من أسفل الجبال.
على
خطاه ، نظرت لينا حول الجزء السطحي لقاعدة القلعة. والتي ستكون بمثابة قاعدة لحزمة
الضربات المتنقلة للعملية في سلسلة جبال جثة التنين. نظرًا لأنه في الأصل حصنًا ،
فقد كان له هيكل يشبه الدرج مع فصل جدران الحاجز المناطق الداخلية إلى قطاعاتٍ
صغيرة. وسلّم حلزوني مصمم بعكس اتجاه عقارب الساعة يؤدي إلى القلعة التي بُنيت
مقابل الجبل الشمالي. هناك أين نُصبت الأبراج جزئيًا في الجزء الداخلي من الجبل
وبمثابة مراقبة في الوقتِ الحاضر ، مما يوفر إطلالة شاملة على ساحة المعركة
المحيطة بالقلعة.
تشكّل
في نهاية منحدر بعيد عن الأنظار حاليًا ، مدافع عسكرية للمملكة المتحدة في الشمال
ومناطق متنازع عليها في الجنوب. ومن الشرقِ إلى الغرب كانت المعسكرات المدرعة
للمملكة المتحدة. بينما تحوّل الدرعُ الأخير للبلاد في منطقة سلسلة الجبال
الشمالية إلى مطاردة الفيلق الآن.
بالإضافة
إلى المظلة التي تحجب الشمس ، فإنّ الجدران السميكة والعالية التي تفصل القاعدة
إلى قطاعاتٍ أعطَت قطاع السطح إحساسًا مظلمًا وخانقًا. حدّق شين وهو ينظر حوله
متسائلًا عن كيفية اندلاع المعركة في هذا المكان.
"
موقع مراقبة؟ "
"
هذه القاعدة هي الأعلى في المنطقة. ومثل جميع القواعد القديمة فهي ليست مجهزة
لشنِّ ضرباتٍ جوية ، ولكن لحسن الحظ لا يستخدم الفيلق القتال الجوي ، مما يعني أنه
حتى هذه القاعدة القديمة لا تزال قابلة للاستخدام حسب الوضع الذي تتعرض له."
استخدم الفيلق القوات المضادة للطيران لعدم وجود
قوة جوية خاصة بهم. ورغم قدرة الفيلق على الطيران لكن لم يكن محملًا بالأسلحة ،
ولم يستخدم استنادًا إلى الملاحظات السابقة صواريخ بعيدة المدى أيضًا. مما يبدو أن
هناك قيد آخر مفروض عليهم. لذلك استغلت المملكة المتحدة هذا الضعف.
حينئذ
لمحوا استمرار تساقط الثلوج بلطفٍ من السماء رغم الوصول لأواخر الربيع.
-
صعدوا
سلّمًا حلزونيًا ضيقًا يؤدي إلى الطابق الثالث من برج المراقبة ، وبينما يعبرون
ثلاثة فتحات واقية من الانفجار إلى القطاع السكني تحت الأرض ، استقبلهم صدحَ صوت
حادّ.
"
مرحبًا بعودتك يا صاحب السمو."
"
نعم ، مرحبًا يا لودميلا."
اندفعت
نحوهم فتاة طويلة القامة ذات شعر أحمر لهيبي نابض بشُعلة الحياة. خلفها مجموعة من
الفتيات بنفس الشبه وبرداءٍ دموي داكن. عُرف هذا الزيّ القرمزي برداء السايرينات
والمختلف عن الزيّ الرسمي للمملكة المتحدة الذي يجمع بين السواد ولمساتُ
أرجوانية.
كان
الإدراكُ واضحًا أنّ جميع الفتيات الحاضرات ليسوا بشرًا. زُيّنت رؤوسهم بشعرٍ له
ألوان مختلفة من الأزرق والأخضر والوردي ، يعكسُ طبقة لامعة قويّة لا يمكن لأي
كمية من الصبغة إنتاجها. وغُرس في جبهتهن بلورات شبه عصبيّة ذات لون أرجواني
مسؤولة عن وظيفة البارا ريد ومرتبطة بعمق الأدمغة الاصطناعية لقمع التفكير
والتحكّم بهم.
عادت
لينا بخطواتها إلى الوراء وهي تتعمّق بنظراتها ناحيتهن. اقتربت براعة فيكا حقًا من
الطبيعة الخارقة ، لأنّه أنتجَ فتيات لا يمكن تمييزهن عن البشر. وفكّرت هل جاءت
هذه القوة دون أي مقابل منه؟ اهتمّت بهذا السؤال من أعماقها ولكن وضعته جانبًا
وقالت...
"
جميعهن... من النساء."
"
جعلهم رجالًا سيعطي شعورًا بالاشمئزاز."
لاحظَ فيكا الرمقَ الباردة التي صوّبتها لينا ناحيته كالسهم.
"
أمزحُ بالطبع. أو على الأقل نصف مزحة... كانت الخطوط الأمامية عندما قدمناهم لأول
مرة مشغولة بشكل رئيسي من قبل الرجال البالغين ، لذلك قصدنا بالفتيات كوسيلة
للتمييز بينهم. لكن مع وضع الحرب أُجبرنا على تواجد النساء اللواتي يعملن كجنود
الآن ، لذا برزَت فكرة مفيدة بحصول شعر السايرينات على ألوانٍ تختلف اختلافًا
جذريًا عن لون شعر الإنسان العادي. "
هل كان من الضروري حقًا جعلهم يبدون بشريين في المقام
الأول...؟
عند
وقع هذه الفكرة في ذهن لينا اجتاحها العار. لمجرّد أنهم آليّون ، ولأنّ أدمغتهم
البشرية ليست سوى نسخ متماثلة ، فقد ينبغي عليها التعامل مع شيء له شخصية خاصة وإن
كانت زائفة... مثل الآلة.
علمت
أنّها ستواجه مشكلة في التعامل ولكن كان من الضروري أن يشبهوا البشر رغم صعوبة
إدارتهم والتحكم في وضعهم. تخيلت لينا كيف سيكون الأمر إذا استيقظت يومًا ما ووجدت
أنها أصبحت حشرة ضخمة ومثيرة للاشمئزاز. لعلّ حالتها العقلية ستتصاعد إلى ما هو
أبعد من مجرد الارتباك واليأس. عندما يكون لها ستة أرجل ، وأجنحة على ظهرها ،
وعيونٌ مركبة وأجهزة استشعار للأعضاء الحسية. سيكون بالفعل إحساسًا مختلفًا تمامًا
عن الإنسان ، ولن يكون العقل البشري قادرًا على تحمل الصدمة لفترة طويلة قبل أن
يصاب بالجنون تمامًا.
...حدث
لـري نفس الشيء. ذلك الشاب الذي أحبَّ أخاه الصغير لكنه التقاه بعد أن أصبح من
الفيلق وحاول قتل شين. ربما اجتاحته نفس الأحاسيس. لقد تعذّب من غرائز قالب
الديناصوريا الذي احتواه لكونه فيلق مختلف جدًا عن الإنسان. وجعل رغبته في رؤية
شقيقه الأصغر مرة أخرى ملتوية في نية قاتلة...
أرادت
أن تسأل فيكا عن رأيه في الأمر ، لكن لم يكن من المناسب طرحه أمام شين. وحتى لو
أخفت الأسماء المعنيّة سيظل شين ذكيًا ليدرك عمّا تتحدّث عنه... وحتى لو لم يفعل ،
شعرت وكأنها لا يجب أن تتحدث أمامه.
ثمّ
مالت نظراتها إليه في نفس الوقت الذي بدأ شين الحديث.
"...هل
الأشياء الوحيدة التي تميّزهم عن البشر زيّهم الرسمي وألوان شعرهم والبلورات شبه
العصبية على جباههم؟ "
"
إذا قصدت من حيث المساعدة في ساحة المعركة ، فإن نوع الوحدة التي يقودونها يختلف
اختلافًا جوهريًا ، وهذا مصدر آخر للتمييز. من السيّئ أنّ أي شخص يحاول علاج جروحه
سيدرك قريبًا مكانه بما فيه الكفاية. إنهم آلات بالكامل تقريبًا وثقيلة بما يكفي
ليعرفهم المرء. تُخزّن البيانات الرئيسية لهياكل أدمغتهم في مصنع الإنتاج ،
ويُحتفظ بنسخة احتياطية من سجلاتهم القتالية بانتظام ، لذلك حتى لو تخلينا عنهم في
ساحة المعركة ، فلا بأس... أيضًا... "
تبسّم
ثغر فيكا بغرور.
"...
لن أستخف بهم لو كنت مكانك يا حاصد الأرواح. صنعتُ هؤلاء الفتيات للمعركة. ولن
يخسروا بسهولة أمام البشر في مكانٍ كهذا."
-
" —أوه ، شين. رايدن وفريدريكا أيضًا. نُقلتم إلى هنا اليوم يا رفاق. إنّ قول "مرحبًا بعودتكم" يبدو قليلًا... لكن لا يزال ، آآه لقد مرّ الوقت على رؤيتكم."
رفعَ
ثيو يده ملوّحًا من حيث جلوسه في زاوية إحدى الطاولات الطويلة التي تملأ الغرفة ،
لتستديرَ أنجو وكورينا اللتان كانتا جالستين أمامه. كانوا في المقصف الثالث لقاعدة
قلعة ريفيتش الذي يعجّ بالناس ، بعضهم يرتدي الزي الفيدرالي الأزرق الرسمي والبعض
الآخر يرتدي زيّ المملكة المتحدة الأرجواني والأسود.
تركّزت
الوظائف الرئيسية لقاعدة القلعة في المستوى الجوفي المبني في الأساس الصخري للجبل
، وأنشئت جميع الكافيتريات في القطاع السكني تحت الأرض. أشرقت المساحة الفسيحة
بأسقفها العالية جدًا لكنها أيضًا أعطت شعور القمع وحدود استطالة المكانة لقلّة
نوافذها. صُوّرت السماء اللازوردية بشكلٍ فني مرسوم على الأسقف ، وحقول عباد الشمس
على الجدران ليظهر الفنان توقه إليها بشكلٍ صارخ. وكل هذا ذكّر شين بالسجن.
ساروا
حاملين صوانيهم لوضع الطعام ، ثمّ جلس شين ورايدن وفريدريكا بجانب رفاقهم لتميل
كورينا رأسها بفضول متحدّثة.
"
سمعتُ أنّ الكولونيل وينزل ، وامم أنيت ، هكذا اسمها أليس كذلك...؟ رئيسة التخصص
التقني. على أي حال ، سمعتُ أنّ هاتين تقيمان في العاصمة ، ولكن ماذا عن لينا؟
"
"
إنها مشغولة في المآدب مع قادة الضباط وضباط الأركان في المملكة المتحدة."
"
بعد كل شيء هي ضابطة الوحدة. ويجب أن تلعبَ دورها عندما يتعلق الأمر بالتجمعات
الاجتماعية ومن هذا القبيل."
"
أوه نعم... عند النظر إلى السابق فقد حصل ذات الشيء عندما جاءت إلى الاتحاد
الفيدرالي. "
أثناءَ
حديثها ، مدّت أنجو أناملها لتلتقط عدة زجاجات صغيرة موضوعة وسط المائدة ، بداخلها
مربّى العسل وتوابل أخرى لتدهن الخبز. ثمّ ما إن انتهت أوصَت بمربّى التوت.
أكدّ
المشهد صحّة القول أنّ المملكة المتحدة في موقفٍ صعب بخصوص الغذاء. رغم أنّه لم
يكن سيئًا مثل قطاع الستة وثمانون إلا أنّ نصف الطعام في صوانيهم عبارة عن مواد
صناعية مميزة بمذاقٍ لطيف من مصانع الإنتاج. وهي السبيلُ الوحيد فإذا دمّرت وسائل
إنتاجهم الغذائي... فعندئذٍ بالفعل لن يعيشوا الشتاء القادم.
بينما
يمضُغ شين بصمت اللحم المتبّل بالكريمة الحامضة والبطاطا المهروسة. كان يصله حديث
الأصوات من الطاولات المجاورة على الرغم من محاولته لتجاهلهم وعدم الاستماع إليهم.
لكن إلى أين المفرّ وغالبية قوات القاعدة المسيطرة باستثناء معالجي حزمة الضربات
المتنقلة هم السايرينات. وما خفّف حدة أن تكون غير مأهولة تواجد أيضًا المشاة
الذين خدموا كقوات دفاع للقاعدة ، طاقم الصيانة ، فرق الإعلان وفرق المدفعية
المسؤولة عن تشغيل المدافع الثابتة للقاعدة.
رفع
رايدن حاجبه متأملًا غالبية الجنود الذين يملكون أعين أرجوانية. ويعود السبب وفقًا
لقانون المملكة المتحدة الذي ينص على أنّ فيولا هم الوحيدون الذين يواجهون التجنيد
الإجباري.
"
دارَ حديثٌ في العاصمة أنّ الاختلافَ الوحيد بين المدنيين والأقنان هو واجباتهم ،
لكن... بمجرّد أن تلاحظ جوهر هذا الجو فيبدو أنّ الأمر ليس كذلك."
لم
يكن هناك تمييز في القوائم التي قُدّمت إليهم ، لكن تجنّب عرق الفيولا الجلوس على
نفس الطاولات مع الأشخاص من مختلف الألوان والمجموعات العرقية. كما أشارت شارات
رتبة جنود الأقنان إلى كونهم مجندين عاديين وضباط صف ، وحتى بين زملائهم المدنيين
كان هناك اختلاف واضح في الرتبة والعداء بين عرق اللولا والتافي.
بلغت
البرودة ألسنة ونظرات الفيولا وفي كل تصرفاتهم مع الآخرين بشكلٍ ملحوظ. " ليس
الأقنان فقط ولكن الآن حتى الجنود الأجانب ينضمون إلى ساحاتِ القتال لدينا. هذا
مؤسف ومُخجل لوطننا الشجاع." هكذا أذاعَ صوتهم علنًا ، رغم أنّ الضباط
الأجانب الذين ينعتوهم هم من ذوي العرق النبيل في الجمهورية والفيدرالية.
أدار
ثيو وجهه بعيدًا مع الحفاظ على رؤيتهم لنظراته عديمة المبالاة التي تشفنهم وتحدّث.
"
على عكس الجمهورية ، فإنّ الأشخاص العظماء هنا هم جنود بكلّ بساطة... إنه أمر غريب
نوعًا ما."
"…؟
أليسَ هذا هو نفسه في الفيدرالية ؟ إنّ النبلاءَ يقاتلون في جياد بنفسِ الطريقة.
أليسَ معظم الضباط الحاليين هم من النبلاء السابقين ؟"
في
العصورِ القديمة ، كانت الخدمة العسكرية تسيرُ جنبًا إلى جنب مع الاقتراع. وفقط
أولئك الذين قاتلوا لهم الحق في اتخاذِ قراراتٍ سياسية. فقط أولئك الذين حاربوا يمكن
أن يرتفعون مكانة فوق عمّال الأرض. وخلال تلك الفترة ، لم يُنظر إلى الخدمة
العسكرية على أنها واجب بل امتياز من نوع ما.
"
نعم ، ولكن هذا ليس ما عنيته... إنه مثل ، في الفيدرالية لديهم حق الاختيار ، ولكن
الأمر في المملكة المتحدة مثل الجمهورية. إنّ اللونَ الذي وُلدتَ فيه هو الذي يقرر
مكانتك في المجتمع وواجباتك... لكن الأدوار معكوسة هنا وهذا هو الغريب."
"………"
ربما لهذا السبب فكّرَ شين فجأة. اللون والمجموعة العرقية
التي وُلدت فيها يعززان مكانتك في العالم بتحديدِ الواجبات التي يتعين عليك الوفاء
بها في اللحظة التي تخرج من بطن أمك. وهذا النوع من البلاد هو الذي سيأتي بفكرة
إعادة توزيع الجثث لأغراض المعركة ويوافق على استخدام الدمى الميكانيكية المخصّصة
للحرب. ولكن الفرق المدنيون هم الذين يقاتلون ، وبعد كل شيء تُقدّم رفاتهم أيضًا
للمجهود الحربي.
وقتئذ
اقتربت فتاةٌ ذات شعر وردي بدت أنها في سن المراهقة المبكرة من طاولة جنود المملكة
المتحدة. أبلغتهم عن شيء بوجهٍ خالٍ من التعبيرات وبطريقة لا تتناسب تمامًا مع
ملامح شبابها. أيضًا لم ترد بابتسامة للمعالج الذي تحدث معها ، وفقط استدارت
وغادرت...
إنّ
السايرينات لا تأكل. من أجلِ تجنّب إهدار عبوات الطاقة بلا داع ، فقد تحتفظ عادةً
في حظيرة فريدة من نوعها باستثناء وقت خروجها في العمليات أو التدريب.
"...أسمعتم
عن السايرينات؟ "
"
أجل وإنها جميلة جدًا. أوه ، ومع ذلك كونوا حذرين معها. لا يحب معالجوهم سماع حديث
الناس عنهم وكأنهم أشياء. إنهم يعتزون بهم نوعًا ما كما لو كانوا عشاقهم أو
أخواتهم الصغار أو شيء من هذا القبيل."
"
أعتقد أنّ جميع المعالجون حقًا يقدرون مركباتهم في هذا البلد ، هاه."
بصقت
كورينا الاشمئزازَ مع كلماتها... ولا يمكن أن يلومها شين. حتى في النظام الملكي
الاستبدادي الذي لم يضع قيمة للمساواة أو الحرية ، عامل المعالجون هؤلاء الفتيات
الآليات مثل البشر. وفي الوقت نفسه ، فإن الجمهورية التي كانت تتمتع بالمساواة
والحرية المحفورة على علمِها ، لم تعامل الستة وثمانون على أنهم دون البشر فحسب ،
بل لم يكن من الممكن حتى بذل عناء قيادتهم.
كان
هذا مفارقة واضحة ونوعٌ من السخرية وفقط هم ، الستة وثمانون ، الذين يمكنهم فهمها.
ولن
تستطيع لينا فهم ذلك.
كان
لدى البشر طريقة في معاملة الآخرين مثل الأشياء أو الحيوانات ، وفي الوقت نفسه
الاعتزاز بالأشياء والماشية كما لو كانوا بشرًا. لم تستطع حتى أن تفهم أنّ كل
القسوة الإنسانية في الأساس مثيرة للسخرية.
-
في
اللحظة التي خطى فيها فيكا إلى الخارج ، رأى لينا وأدلى كتفيه بجانب تنهيدة.
"
لقد حان وقت إطفاء الأنوار تقريبًا... زيارة غرفة رجل في وقتٍ متأخرٍ من الليل
تترككِ في حالة ضعف شديد قد تؤذيكِ لاحقًا ، ميليزي. يجب أن يكون نوزين بجانبكِ
عندما تكونين بالخارج وفي مثلِ هذا الوضع."
"
لدي ما أودُّ سؤالكَ عنه... شيء لا أريد أن يسمع عنه الآخرون ، وعلى وجه التحديد
الكابتن نوزين. لذا هل يمكننا التحدث على انفراد؟ "
هذا
هو سبب اختيارها المجيء الآن ، في الوقت الذي عادَ شين إلى مسكنه. بينما تجاهلها
فيكا وتوجّه إلى غرفتهِ الخاصة. وعند تحدّثه خلعَ نظارته المصممة ببساطة والذي بدا
أنّه ارتداها عند الكتابة والقراءة.
"
ليرش ، استدعي أي شخص طالما أنه ليس نوزين... حسنًا ، لا بأس باستدعاء ليدا. أوه ،
وأنت هناك تأكد من أنّ الباب لا يغلق حتى تعود ليرش."
"
نعم سيدي."
"
بإرادتكَ يا صاحب السمو."
"
فيكا...!"
استمرّ
بتجاهل اعتراضات لينا بوعيٍ تام ، وعبر غرفته أمام الحارس الجندي الممسك بمقبض
الباب خلال ابتعاد ليرش عن الردهة مسرعة.
ثمّ
بعد مرور الوقت ظهرَت شيدن برفقة ليرش ، والتي بدت أنّها أخذت حمامًا سريعًا قبل
المجيء. وبإلقاءِ نظرةٍ خاطفة عليها ، تركَ فيكا تعبيرًا مريبًا على محياه.
"………آسف.
لم أكن أنوي المقاطعة... أو هذا ما أودّ قوله فقط ولكن ماذا كنتِ تفعلين؟ "
بينما
تقفُ شيدن أمام حضور الأمير ، أسقطت احترامها وأدارت وجهها بعيدًا عنه باستياء.
"
ما أفعله في وقت فراغي ليس من شأنك... تباً ، أنتَ حتى لن تستمع لما سأقوله أليس
كذلك؟ "
"
لا أنا لستُ كما أبدو في نظرك. وفقط تصرّفي ككلب حراسة لميليزي لبعض الوقت. قد
تكوني امرأة لكنكِ أقوى مني."
"
حسنًا ، سأستمع إليك أيها الأمير. كما أنّ المشاجرة بالأيدي شيء نشتركُ فيه ولكن
من أين تأتي تلكَ المسامير على يديك؟ "
"
الصيد هو هواية شعبية في هذا البلد."
"
وااه مخيف ، مخيف. أعتقد أنّ من الأفضل لي الجلوس بهدوء في الزاوية كي لا ينتهي بك
الأمر إلى معاملتي مثل لعبة برية."
رفعت شيدن كلتا يديها ممازحة ، وبناءً على طلبه سقطت على أريكة تتسع لخمسة أشخاص مثل كلبٍ كسول.
في
المقابل جلست لينا بأدب وأمامها فيكا. فصلتهم الطاولة المنخفضة التي وضعت عليها
ليرش فناجين شاي من البورسلين الأبيض وصينية مطعّمة بصدفِ اللؤلؤ ومحمّلة
بالحلويات قبل الوقوف في نهاية الغرفة. ثمّ قُمع الصمت بتحدّث فيكا.
"حسنًا؟
إذا كان هذا شيئًا لا تريدين أن يسمعه نوزين ، فهو يتعلق بذلك الأمر ، أليس
كذلك...؟ لماذا أنا إذن؟ أنا لستُ على دراية فيه."
"
لا ، ربما تكون... الأكثرُ معرفةً من أي شخص آخر أعرفه عندما يتعلق الأمر بهذا
الموضوع."
شيءٌ
ضاعَ للجمهورية ومُخبَّأ خلفَ أسوار عالية سميكة من السريّة العسكرية في
الفيدرالية.
"
القدرات خارج الحواس."
لاحَ
تعبيرٌ من الفراغِ على فيكا فجأة.
"
قُدرة الكابتن نوزين على سماعِ أصوات الفيلق. وقُدرة المساعدة روزنفورت على رؤيةِ
الماضي والحاضر لمعارفها. هذه القدرات تُوفر مزايا تكتيكية كبيرة ولكن... ألا تؤذي
من يمتلكها؟ "
شملَ
الحديث فيكا المعروف بإسبير الإديناروك. ولم تكن متأكدة ما إذا كان سؤاله فكرة
جيدة.
"
أوه... إذن هذا ما أردتِ معرفته. أستطيعُ أن أفهم لماذا قد يخالجكم هذا الاعتقاد
أنتم يا من ليس لديهم قوى خارقة."
عقدَ
فيكا ساقيه بلا اكتراثٍ مكملًا :
"
كمبدأ ، الجواب على سؤالكِ هو لا. لطالما كانت القدرات الخارقة للطبيعة ضرورية
للقادة لتوجيه الجماهير منذ العصور القديمة. منذ العصر الذي كان فيه أصحابُ الدم
النبيل ملوكًا حقًا. بالنسبة لـإسبير ، فإنّ قدرتها على الحواس تكون طبيعية مثل
حواسهم الخمس الأخرى. هل الكائن الحي القادر على البصر يضرّ بجسده بمجرد رؤيته؟
نفس الفكرة تنطبق هنا. ليس هناك ثمنٌ يجب دفعه إذا جاز التعبير."
"
ولكن ماذا عن حالات مثل الكابتن نوزين ، حيثُ تغيرت قدرته عما كان يفعله في
البداية؟ "
"
أهذا ما حدث؟ حسنًا فهمت. أعتقد أنها كانت طريقة غريبة لتظهر قدرة سلالة
مايكا."
وجّهت
لينا تعبيرًا محيرًا إليه ، لذلك أوضحَ فيكا أنها عشيرة والدة شين. ومعرفته أتت من
تضمين معلومات شين في ملف الأفراد الذي استلمه فيكا.
"
في الواقع مثل هذه الحالات نادرة... وإذا كان ينام لفتراتٍ طويلة في بعض الأحيان ،
فمن المحتمل أنه بسبب محاولة استقرار اللاوعي وتوازن التوتر والراحة لديه. لكن إذا
قال إنه يشعر بتوعكٍ فستكون قصة أخرى ، لكنني لا أعتقد أنّ هناك الكثير من أسباب
القلق في الوقت الحالي."
"هذا...
قد يكون صحيحًا ، لكن..."
أمال
فيكا رأسه قليلاً ، مجسّدًا حركة ثعبان كبير يتطلّعُ إلى حيوانٍ صغير غير مألوف.
بدونِ أَثرٍ للدفءِ أو العاطفة.
"
بدوري دعيني أطرحُ سؤالاً. إذا كنتُ سأخبركِ أنه سيكون له تأثير سلبي عليه ، ماذا
ستفعلين؟ "
وقتئذ
خطفت مفاجأة السؤال صوت لينا عن الإجابة.
"
هاه؟ "
"
بادئ ذي بدء ، إذا كنتِ تسألين عن أمره فلماذا لم تحضري معكِ نوزين؟ إذا كنتِ
تعتقدين أنه قد يكون له تأثيرٌ سلبي عليه ، فهذا سبب إضافي لضرورة وجوده في هذه
المحادثة."
"...نعم
، لكن..."
كان
واحدٌ من الستة وثمانون وسببَ وجوده حتى الآن هو عدم الفرار أبدًا عند مواجهة
الموت.
"...من
المرجح أنّ الكابتن نوزين... لا يزال يرفض مغادرة ساحة المعركة."
خلالَ
الصمتِ الطويل لم يرمش فيكا سوى مرة واحدة.
"
هل تقصدين... أنه من الستة وثمانون الذي مزّقته الحرب بشكلٍ لا يمكن إصلاحه وأصبح
غير قادر على اتخاذِ القرار السليم؟ وأنتِ ، كإنسانة طبيعية تحمل حسن النية ،
لديكِ الحقَّ في إصدارِ هذا الحكم نيابة عنه؟ "
رفعت
لينا وجهها في لفتةٍ شديدة. حاملة من النظراتِ ما يجعل تعبيرها باهت بقسوة. بينما
تتلوّى شفاه فيكا بقهقهة ، لكن شيئًا ما في عينيه البنفسجيتين لم يكن مرحًا على
الإطلاق.
"
حقًا ، أنتِ مغرورة. مثلَ إلهة الثلج الأبيض نفسها."
إلهة
الثلج التي تكسو بغطائها المملكة المتحدة نصفَ كلّ عام. إلهة جميلة لا ترحم ،
متعجرفة لا تدخر تفكيرًا فارغًا من أجلِ همومِ الناس...
"
نعم أنتِ حقًا بيضاء كالثلج ونقيّة لا تشوبها شائبة. لكن هل يمنحكِ هذا الحقَّ في
القولِ بأنّ أي لون آخر هو قذارة؟ من المؤكد أنّ نوزين اعتُبر مثل كلب الحراسة
هناك والستة والثمانون ككل افتقروا للكثير بشكلٍ كبير."
نظرت
بنهاية قوله بشكلٍ انعكاسي كي تلمحَ شيدن التي ترتشفُ الشاي بلامبالاة لحديثهم.
بطريقة ما قد عرفت لينا أنّها لم تنزعج على الإطلاق رغم أنها نُعتت للتو بشيءٍ
قليل.
"
هذا... أنا أعني ، نعم ، لكن..."
تبلورت
عاطفة قد اندفعت فجأة إلى قبضتي لينا التي تصلّبت في جحرها. اجتاحها الدوار وشعرت
بشيءٍ ثقيل يضغطُ على قلبها معذّبًا. كما لو كانت مُكممة مع كتلة لزجة من العاطفة
التي استحالَ بوجودها أن تتنفّس.
أدركت
أخيرًا لماذا سألت فيكا عن شيءٍ كهذا.
"
أشعر وكأننا إذا تركنا الكابتن نوزين ، إذا تركنا شين لوحده ، فسوفَ يطحنُ نفسه في
اللاوعي..."
وهذا أرعبها.
"
بعدَ أن تقدّمَ كلب الراعي إلى المعركة ، غرقَ شين بالنومِ أيامًا متتالية. وكان
يقول دائمًا "سأعتادُ على ذلك قريبًا." وبسبب هذه الثقة المفرطة
بالكلمات أعطاه الطبيب الموافقة على العودة إلى الخدمة. ولكن إذا زاد التوتر...
"
فقط شين يستطيعُ سماع أصوات الموتى. وأنا أفتقرُ مساعدته في
تحمّلِ عبئه. لا أستطيع مشاركة ألمه. لذا ، إذا ساءَت التوترات ، فقد يتحوّل هذه
المرة إلى غبارٍ لن يراه أحد. وهذا... يُرعبني. يجعلني قلقة. أريدُ أن أفعل شيئًا
قبل أن ينتهي المآلُ بذلك.
"…بالرغمِ
من ذلك…"
زارَ
الهدوء صوت فيكا.
"
القلق بشأن كل هذا بمفردكِ لن يساعدَ أيّ شخص. إن كان يُزعجكِ إلى هذا الحدّ فلمَ
لا تحاولي التحدث معه. وبشأنِ هذا القلق... أحضريه معكِ في المرة القادمة التي
تأتي إليّ فيها. سأقدّم المساعدة بكلّ استطاعتي."
"…نعم."
أسندَ
فيكا ظهره على الأريكة رافعًا رأسه.
"
ولكن هل لديكِ حقًا وقت الفراغ في القلقِ بشأنِ أشخاص آخرين غيرك؟ ماذا عن وطنكِ
الأم وحبّه للون الأبيض ، على الرغم من كون علمه متعدّد الألوان."
"…إذًا أنتَ تعلم."
"
بالطبعِ أنا أعلم. هل لديكِ أي فكرة عن عددِ الجنود الذين كان علي تهدئتهم حتى
يتقبّلون وجودكِ هنا...؟ قد تكون الجمهورية غير مرتبطة بتطوّر الفيلق ، لكنها
الدولة الأكثر كُرهًا وحقارة في الوضع الحالي. لا توجد دولة في الخارج لا ترى
الجمهورية كقاتل شيطاني للأقارب ، وهذه علامة على قابيل التي ستحملينها معكِ بغض
النظر عن المكان الذي ستقاتلين فيه. وصمة عار لبلدٍ كسول ، على الرغمِ من إعطائه
فرصة للتكفير عن طريق الخدمة في حزمة الضربات المتنقلة ، لم يُرسل سوى حفنة من الضباط...
لذا لا أعتقد حقًا أنكِ في وضعٍ يسمح لكِ بالقلقِ على صحة شخص آخر."
"………"
"
وفيما يتعلق بجهاز الـريد ، لقد اطلعتُ على موادِ البحث التي قدّمتها لنا هنريتا
بينروز. بما في ذلك نتائج التجارب البشرية التي أُجريت على الستة وثمانون... إذا
أصبح الحِمل كبيرٌ جدًا يمكن أن تلحق الضرر بدماغ المستخدم وتؤثر على عقولهم. وحتى
مع العلم بهذا ، ألا تعتقدين أنّ تردد صداها مع قوة بحجم اللواء مبالغ فيه بعض
الشيء؟ "
"
إنها ليست قوة بحجم اللواء. كما أنني أُنسّق عبرها مع قادة الفرق فقط."
"
ومع ذلك هناك عددٌ غير قليل من الأشخاص في آنٍ واحد. نظرًا لأنهم يعرفون فقط كيفية
القتال في مجموعاتٍ صغيرة بحجم سرب ، إلا أنّ حزمة الضربات المتنقلة قُسّمت إلى
ترتيبٍ غير طبيعي من عدة أسراب. ولا نسمحُ في المملكة المتحدة لأي شخص بالتفاعلِ
مع هذا العدد الكبير من الأشخاص أثناء العمليات. أشك في أنّ الفيدرالية تسمح بذلك
، ناهيك عن الجمهورية."
على
أرضِ الصراحة اغترّ بالقول أنه استثناءً ، النظرة الجليديّة في عينيه
الإمبراطوريتين الأرجوانيّتين هي علامة النسب العبقري التي توارثت لألفِ عام. لون
عيون الإديناروك القادر أعضاؤها على إنتاجِ الاختراعات التي أحدثت ثورة في العالم.
"
البـارا ريـد هي تقنية تعيدُ إنتاج قوى خارج الحواس في أولئك الذين يفتقرون إليها.
إذا استخدمتُ المثال الذي ذكرته سابقًا ، فهو يشبه الجهاز الذي يجبر البشر بالقوة
على قدرة رؤية الأشعة فوق البنفسجية. وإذا كان لأي شيء آثار سلبية على مستخدميه ، فسيكون
البارا ريد."
"
هذا... لكنني ما زلتُ مجرّد قائدة. لذلك ليس لدي خيار... "
وُجبَ
عليها استخدامها إذا كانت ستقاتل إلى جانب الستة وثمانون.
"
إنها مخاطرة أنا على استعدادٍ لتحمّلها."
زفرَ
فيكا تنهيدة أخرجَ فيها كلّ أنفاسه.
"
أنتِ تمنحينَ نعمتُكِ بحرية للآخرين مثل القديسة ، حتى وأنتِ تتعذبين من احتمالِ
أن تكوني مصدرَ قلق لا داعي له. ولكن عندما يتعلقُ الأمر بنفسكِ فأنتِ مهملة
للغاية. حقًا ، لقد تجاوزتِ معنى الإنقاذ... ليرش."
"
أمرُكْ. ولكن مع قولكَ هذا فإنّ لطفكَ لا حدود له يا صاحب السمو."
" أغلقي فمكْ وابقي خارج المحادثة ، أنتِ تبلغين من العمر سبع سنوات."
تراقصت ضُحكاتها على مسامعهم وهي تصبو إلى
الغرفةِ الخلفية ملتقطة شيء احتضنته أناملها. ثمّ عادت تسلّمه إلى فيكا الذي سرعان
ما ألقاه إلى لينا ، ولم تتدارك سرعته في الرمي ليتدحرج في جحرها بشكلٍ محرج.
بينما تراقب شيدن الشيء مدّت ذراعها لتلتقطه بسهولة.
" ما ترونه هو جهاز دعم الفكر ،
السيكادا. طُوّر من أجل معالجي السايرينات وللتخفيفِ من إجهاد الرنين الحسي."
أجنحة السيكادويديا —
السيكادا.
على عكس ما يوحي إليه اسمه ، فهو جهاز يشبهُ
قلادة مزيّنة بخيوطٍ فضّية رفيعة مشوّبة بأرجوانٍ فاتح تشكّل نمطًا رقيقًا من
الدانتيل. وفي وسطه استوطنت بلورة شبه عصبيّة أرجوانية فاتحة ، والتي عند النظر عن
كثب بدت وكأنها مغزولة بدقة من الخيوطِ الفضية إليها.
" لسوء الحظ ، لم يُعتمد رسميًا في جيشِ
المملكة المتحدة ، ولكن اجتمعوا بالتأكيد على أنه آمن. والسبب الوحيد لعدم
استخدامه هو أنّ الجنود ببساطة عارضوه."
عارضوه؟
" هل تستخدمه يا فيكا؟ "
" لا؟ "
لاحَ فجأة بمقاطعة غريبة.
" إيه... أليس هذا جهاز لتخفيف إجهاد
البـارا ريـد؟ "
" إنه كذلك ، لكنه ليس جيدًا بالنسبة لي ،
وحتى أسوء من ذلك بالنسبة للمعالجين الآخرين."
" لماذا؟ "
ردّ فيكا بجدّيةٍ مطلقة ، " ما الذي يحققه
وجود رجل يرتدي هذا؟ "
" ام..."
لم تتابع لينا قولها.
أخذَ فيكا السيكادا من يديها وربطه بمحطّة
معلومات ، وكتب شيئًا بينما يعيد ارتداء نظارته التي أزالها سابقًا عن وجهه ، ثمّ
أزالها مرة أخرى راميًا إياها.
" لقد أعدتُ تنسيقه ، لذا يمكنكِ تجربته
في غرفة الانتظار هناك. يجب أيضًا إعادة ضبط القياسات... لا تقلقي ، لا توجد كاميرات
مراقبة هناك. "
" أوه... إيه ، شكرًا جزيلاً لكْ."
" وبمجرّد توصيلها بعُنقكِ سيندلع شيء ما
فجأة... أوه ، و..."
في اللحظة التي أُغلق فيها باب غرفة الانتظار ،
استدارَ فيكا بعيدًا.
"...هناك ، امم ، خُدعة لارتدائها. حسنًا... حظًا سعيدًا ، على ما أظن."
-
بُنيَت غرفة الانتظار التي دخلتها لينا وبقية
القاعدة الموجودة تحت الأرض من موادٍ عازلة للصوت من الداخل والخارج. ومع ذلك...
" هاه... آه ، آآآآآآآآآآآه."
...تجاوزَ صُراخ لينا قليلاً تأثير العزل
الصوتي ، ودوى فعلها بصوتٍ خافت في صمتِ غرفة القائد.
ارتشَفت شيدن كوبًا آخر من الشاي متجاهلة
صرختها. لقد علمت أنّ تصرفها يعتبر عادة وقحة منذ مجيئها إلى الاتحاد الفيدرالي ،
لكنها لم تهتم بما يكفي لإصلاحها. وبقيت على نفس الجلسة محرّكة فقط عينيها إلى
اتجاه سيدتها.
كان فيكا قد أخبرَ شيدن عن السيكادا واستخدامه
بعد دخول لينا إلى غرفة الانتظار.
"...للتأكّد فقط ، إنه ليس خطيرًا عليها
صحيح؟ "
وقفَ فيكا شادًّا يديه على أذنيه مغلقًا مقابل
حائط غرفة الانتظار ، لذلك اضطرت شيدن لكتابة سؤالها على قطعةٍ من الورقِ في زاوية
الطاولة.
" نعم. لقد أجرينا ما يكفي من التجاربِ
على الحيوانات والاختبارات العملية. السبب الوحيد لعدم استخدامه رسميًا هو أنه لم
يكن يحظى بشعبية لدى الجنود ، كما ذكرت سابقًا."
" حسنًا... يمكنني أن أتخيل نوعًا ما
لماذا."
أدلَت شيدن رأيًا سيئًا للغاية بمجرّد سماعها
عن الأمر. بينما أبقى فيكا أذنيه مسدودتين على الرغم من استمرار المحادثة ، حينئذ
مالت ليرش رأسها بتساؤل.
" بالمناسبة ، صاحب السمو ، لماذا تتّخذ
مثل هذا الموقف الغريب؟ "
" لا أستطيع إخبارك؟ اسمعي ، لا أريد أن
أتسبّب بمقتلي."
" فـ...فهمت."
" إذا اكتشفَ آلة حاصد الرؤوس عن الأمر ،
فسوفَ يتدحرج رأسي أيضًا."
" يا له من مُروعْ."
اتّسعَت عيون ليرش الزُّمرديتين.
" إذن ، فإن السيد حاصد الأرواح مفتونٌ
بالسيدة لينا الدموية! يا للمفاجأة..."
تعرّض رأس ليرش ذو الشعر الذهبي للضربِ في آنٍ
واحد من قبل فيكا وشيدن ، ثمّ قاما معًا بهزِّ الألم عن أيديهما. كانت جمجمة ليرش
معدنية والعبث معها يؤدي للألم.
" اللعنة... هل عقلكِ صدِئ أو شيء من هذا
القبيل ، أيتها الحمقاء؟ "
" أنتِ تصرخين بهذا هنا والآن من بين جميع
الأماكن والأزمنة؟ لننسى ذلك ، ثمّ لقد استغرق الأمر منكِ كل هذا الوقت لتلاحظي ؟
أأنتِ تبلغين من العمر سبع سنوات؟ "
" عـ- عَاري لا يعرفُ حدودًا..."
لحسن الحظ ، لم يصل أي من هذا الصراخ إلى أذنيّ
لينا.
-
عُيّنَ قسم المعالجون في المبنى السكني الأساسي
بغرفٍ مخصصة تتّسع لأربعة أشخاص. نظرًا لأن المساحة الموجودة تحت الأرض كانت
محدودة. جلسَ شين في الطابق العلوي من الأسِرّة وعيناه مثبتتان على الرواية التي
كان يقرأها ، حتى لحظة سماعه لصوتٍ من بعيد فرفعَ رأسه فجأة مسترقًا.
كانت مختلفة عن صرخاتِ الفيلق. صوت بعيد من
مكانٍ ما...
"...هل سمعتَ للتوّ صراخ شخص ما؟ "
شعرَ بطريقة ما وكأنه صوت لينا. أثرَ سؤاله رفع
رايدن رأسه من أسفلِ السرير وهزّ نافيًا.
"…لا؟ "
-
بعد فترة ، غادرت لينا غرفة الانتظار بوجهٍ
أحمر فاتح وزيّها العسكري في حالة فوضى. لو لم يكن فيكا أميرًا لكانت صفعته على
خدّه. بدا أنّ فيكا قد خمّن ذلك أيضًا ، لكنه تحدثَ بابتسامةٍ مشحونة بالبهجة
الزائفة بشكلٍ ملحوظ.
" أنا سعيدٌ لأنني سأكون في الخدمة ،
جلالةُ الملكة."
"………!"
وُاه ، الشُكرُ للرّبْ ، شين ليس هنا
الآن. فكّرت شيدن في نفسها بينما تراقب نظرات لينا
المُرعبة اتجاه الأمير. دفعت السيكادا نحو أيادي فيكا الممدودة ، وأدارَت كعبيها
في سخط.
" سأرحلُ يا فيكا."
" نعم ليلةٌ سعيدة."
-
سارت لينا في الردهة وهي تدوس إحراجها وغضبها
المسموعين على خطاها ، ولكن مع تلاشي الانزعاج الغاضب ، غمرها الأسفُ والبغض.
هل تقصدين... أنه من الستة وثمانون الذي
مزّقته الحرب بشكلٍ لا يمكن إصلاحه وأصبح غير قادر على اتخاذِ القرار السليم؟
مرة أخرى. فعلتها مرة أخرى.
"...شيدن ، هل أنا...؟ "
سألت دون أن تستدير ، وشيدن رفعت حاجبًا خلفها.
" هل أنا... شخصٌ متعجرف؟ "
سخرت شيدن بلامبالاة.
" هل تلاحظين هذا الآن؟ "
فوجئت لينا بينما واصلت شيدن ولم تعطِ لردة
فعلها أي اعتبار. كما لو كانت تدلي رأيها ببساطة.
" أعيشُ بالطريقة التي أريدها. وينطبق هذا
على ذلك الأمير وشين أيضًا. لذا يمكنكِ أن تفعلي ما تشائين أيضًا... في بعض
الأحيان عليكِ فقط أن تتجادلي مع شخص ما. إذا حدث ذلك ، فإنه حدث."
"…لكن…"
الجدال مع شخص ما... لا أفهمه... أنا...
* * *
اصطفّت قوّات حزمة الضربات المتنقلة وموظفو
المملكة المتحدّة في تنظيمٍ جيّد على أرض القطاع الثامن الأكبر لقاعدة قلعة ريفيتش
تحت الأرض. ولاحَ خلفَ ظلالهم وقوف الجاغرنوتز بروعة استعدادها اللامع.
" — أعتقدُ أنّ هذه المرة الأولى التي ألتقي فيها بمعظم جنود الفيدرالية. أنا فيكتور إديناروك ، قائد قوات الجبهة الجنوبية في المملكة المتحدة. ليسَ لرُتبُنا أهمية وقد تتغير قريبًا على أي حال ، لذا لا داعي لمحاولة تذكّرها. لن أكون قائدكم الآمر بشكلٍ مباشر ، ولكن ، حسنًا ، يمكنكم اعتباري كواحد من رؤسائكم الكبار."
للحظة ، سادَ جوّ غريب بين أفراد الستة وثمانون
متسائلين بتعبيرٍ من هذا؟ ثمّ سافرت نظراتهم بين لينا وفيكا اللذان وقفا
بجانب خريطة العملية المتوقعة.
ضيّقَ نائب مدير جيش المملكة المتحدة عيناه
باستياءٍ من التعريف عديم الاحترام الذي قدّمه الأمير لنفسه ، لكن فيكا هزّ كتفيه
ببساطة وتسلّلت نظراته صوب لينا.
وكما هو متوقع من الصبي أحد أفراد العائلة
المالكة لهذا البلد الشمالي وقائد الجبهة الجنوبية حقًا ، فلا يفقد رباطة جأشه وإن
واجه ألفَ فردًا. وكما شملَت قيادته السايرينات ، ورغمَ أنّه الآن تابعًا لـلينا
في القيادة إلا أنّه لا يزال يتمتّع بسلطةٍ مطلقة على القاعدة بأكملها.
" ستكون العملية القادمة جهدًا تعاونيًا
بين حزمة الضربات المتنقلة الستة وثمانون وسلاحنا المدرّع الأول للجبهة الجنوبية.
يقعُ هدفنا على بعد سبعين كيلومترًا جنوب القاعدة أي في أراضي سيطرة الفيلق ، أينَ
يستوطن القمعُ الكامل لموقع إنتاجهم الموجود في سلسلة جبال جثة التنين لـجبل التنـين
فانـغ. "
بدَت خريطة مبسّطة هدفَت إلى توفير المعلومات لهم وموضحةً قوات المملكة المتحدة المنتشرة مع قوة الفيلق المعارض. ومُيّزت قاعدة الإنتاج بأيقونةٍ حمراء لتُبرز على أنّها واحدة من أعمق وأكبر المعاقل من بين بقية مواقع الفيلق المؤكدة. كانت سلسلة جبال جثة التنين الجنوبية بمثابة دفاع طبيعي على طول حدود المملكة المتحدة والاتحاد الفيدرالي والجمهورية قبل أن يسيطر عليها الفيلق الآن.
" ستقود حزمة الضربات المتنقلة الهجوم
الرئيسي وسيكون سلاحنا المدرع الأول بمثابة احتياط. ولكن جزء منه سيهاجم موقع
الفيلق كتحويل متفق بين القوات ويستدرجهم نحو الخطوط الأمامية مع قواتهم
الاحتياطية وإبقائهم تحت السيطرة. ثمّ ستستفيد حزمة الضربات المتنقلة من الثغرة في
دفاعاتهم وتتسلل للسيطرة على موقع الإنتاج في جبل التنين فانغ."
وفقًا للتفسير الذي طرحه ، فقد تحرّكت رمزُ
الوحدة العسكرية لمدرعات المملكة المتحدة بشكلٍ مائل ، ملتفّتاً حول السرب الأمامي
حيث خط المواجهة في مواقعٍ مختلفة. ثمّ نتجَ عن هذا تحرّك قوات الاحتياط الخلفية
للفيلق ليظهر طريق متقدّم من قاعدة القلعة إلى موقع إنتاج جبل التنين فانغ على
الخريطة.
ومع ذلك ، لم يقدّم العرض أهم التفاصيل عن
خريطة الجزء الداخلي لقاعدة الإنتاج. يعود السبب لبناء هذا الموقع من قبل الفيلق
بعد أن أصبحت المنطقة جزءًا من أراضيهم. فلا يمكن للجانب البشري أن يملك خريطةً
له. واستمرّت عدة محاولات قليلة لاستكشافه ، لكنهم بالكاد أبلغوا المملكة المتحدة
أنّ قاعدة الإنتاج قد نُحتت في جبل التنين فانغ.
" بالإضافة إلى أنّنا سنمنحُ الأولوية
للاستيلاء على وحدة قائدة القاعدة المذكورة ، المعرّفة بـالملكة التـي لا تـرحم.
إنها من نوع أمايزي أولى دُفع الإنتاج... أو ، حسنًا ، هذا افتراض ليس واضح بشكل
مؤكد لكنّها أمايزي بيضاء اللون... وبينما لا نزال في عالم التكهنات فقط ، هناك
احتمالٌ أن تكون الوحدة المذكورة قادرة على تزويدِ البشرية معلومات عن الفيلق. قد
تحتوي عنصرًا حاسمًا في إنهاء الحرب وقد لا تكون. لذلك احرصوا على أسرها. لا يهم
تدميرها إلى حدٍ مقبول ، لكن اتركوا المعالج المركزي سليمًا... هل من أسئلة؟
"
-
" بعبارةٍ أخرى ، نحنُ نسارع عبر الثغرة التي ستحدث في
الفيلق بعد أن يأخذوا الطُعم ، ثمّ نهزمُ بطريقة ما العدو ، ونسرقُ ملكة النمل ،
ثمّ نعود... بجدّية ، يبدو أنّ أي بلد نذهب إليه يجعل الجميع يعرض أفكارهم
المختلّة."
على عكس قطاع الستة وثمانون الذي تعاملوا فيه
معظم الأوقات مع عمليات اعتراض دخول الفيلق فقط ، فقد تطلّب منهم هنا لعمليات
الغزو استعدادات مهمة ومناسبة. لأنهم سيحتاجون إلى خداعِ العدو وصرفهم عن أنّ
عملية أسر جبل التنين فانغ هي هجومًا شاملاً ، وذلك عن طريق خلقِ انطباع بأنهم
كانوا يستكشفون للحصول على سيطرة قوة العدو النارية مثلًا. لاحَ ثيو بصوته
المتذمّر بينما رفعَ شين بصره بعد أن كان مركزًا بذكريات تلك المهام.
سارَ سرب رأس الحربة عبر غاباتٍ صنوبرية ثلجية
، ونُسجت بين الأشجار تشابكًا جعل المرور أضيق. وكان تصريحُ ثيو قد نُقل إلى رفاقه
شين ، رايدن ، كورينا وآنجو فقط عبر البارا ريد وليس للسربِ بأكمله.
نظرًا لأنّ الخطوط الأمامية للمملكة المتحدة
كانت في منطقةٍ جبلية ، فقد احتفظَ كل من الجيش والفيلق بمواقعهما بين الجبال
المتعارضة ، حيث كانت الوديان والسهول بينهما بمثابة المنطقة المتنازع عليها. لم
تكن هذه المنطقة استثناءً ، وكان الستة وثمانون يتقدمون حاليًا في مسارٍ مختلف عن
المسار الذي سيتبعونه خلال العملية بعد ثلاثة أيام من الآن. لقد نزلوا من منحدراتٍ
طفيفة في وقتٍ سابق ويتسلقون حاليًا منحدرًا مزعزع الاستقرار بشكلٍ مفاجئ.
ظهرَت
على شاشاتِ الرادار الخاصة بهم الأسراب الثلاثة القريبة منهم ، بالإضافة إلى بكسل
يرمز إلى الألكونوست على بعد بضعة كيلومترات. وتقدمت في مكانٍ قريبٍ أيضا قوة من
باروشكا ماتوشكا من سلاح المدرعات في المملكة المتحدة. جُهّزت مركباتهم الجاغرنوتز التي تمرّ عبر الأشجار بمدافعٍ
خفيفةٍ غير دوارة ومخالب فولاذية طويلة مجهزة بأرجلهم لاختراق الأسطح الجليدية.
صدحَ صوتٌ حادّ كالطعن في الجليد أثناء تحرّكهم والذي يعود لكثافته الصلبة الذي
تساقط على مدار فصلٍ من الشتاء الطويل.
لحظتئذ
رنّ صوت لينا عبر الرنين تسألُ شين :
" كابتن نوزين... هل انتقلَ نوع فونيكس من قاعدة جبل التنين فانغ اليوم؟
"
ردَّ:
" لا يبدو الأمر كذلك " ، موجهًا وعيه إلى الصراخِ الميكانيكي الذي يزعج
حتى الصمت الناجم عن صوتِ الثلج. لقد أدركَ أنّ النوع الجديد من الفيلق الذي واجهه
وتركه يهرب خلال العملية الأخيرة كان هنا ، في ساحة معركة المملكة المتحدة بعد
وقتٍ قصير من وصوله إلى هذه القاعدة. وُضّحَ هدف عمليتهم في مكانٍ ما في قاعدة جبل
التنين فانغ أين تختبئ الملكة التي لا ترحم والمُحتمل أن تكون زيلين ، والتي أخفت
رسالتها داخل الفونيكس ، وخيرُ دليل على الرسالة هو عودة وجودهما معًا في نفس
البقعة مرة أخرى.
" أعتقدُ الآن يمكننا أن نفترض بأمان سبب وجوده الذي عُيّنَ للدفاع عن
قاعدة جبـل التنيـن فانـغ... وليس من المُستبعد أن يكون بمثابة أكبر عقبة لنا في
العملية القادمة."
" لا أعتقدُ أننا سنواجه أي مشاكل طالما أننا نتعامل معها كما خططنا سابقًا."
" نعم ، لكنني أقترحُ الحفاظ على هذا التكتيكِ مع
إضافة بعض التفاصيل في وقتٍ لاحق. ربما بعد أن نعودَ من الاستطلاع."
"
عُلمْ."
في
الجانب الآخر لاحَ صوتُ رايدن ردًّا على ثيو.
" أكوام الخُردَة هذه لها اليدُ العليا وكلّ المبادرة بغض النظر عن البلد
الذي تذهب إليه. ولكن إذا فكّرنا في المسافةِ والوضع والفرق في قواتنا عن ما
تلقّيناه في عملية القضاء على مورفو ، فحالنا الآن فهذا أفضلُ بكثير."
" سيتولّى الألكونوست جميع عمليات الاستطلاع من أجلنا في ظلّ افتقارنا
لخريطة قاعدة العدو. وعلى ما يبدو يمكننا ترك هذا الدور لهؤلاء الفتيات من الآن
فصاعدًا... لكن..."
هزّت
أنجو كتفيها متنهّدة.
"...حقيقة أنهم يبدون مثل الفتيات وأعمارنا متقاربة تعطيني نوعًا من
المشاعر المختلطة. حتى بعد أن رأيتهم يمشون عبر الثلج مرتدينَ فقط الزيّ الرسمي
الميداني."
بينما
خطى شين ومجموعته المكان في رحلةٍ استكشافية ، كانت السايرينات خلفهم يتبعون
الطريق الذي ستسلكه حزمة الضربات المتنقلة أثناء العملية. ولأنه قد تُكتشف
الألكونوست بسرعة إذا أتت في هذه المرحلة الحساسة ، لهذا أتت السايرينات بنفسها.
فقدَ
شين قدرته على التمييز بين أصوات السايرينات والفيلق بعد أن مرّوا بالعديد من
مجموعات العدو ، ولم يعد يُميّز مواقعهم حيث انتشرت الأصوات في جميع أنحاء ساحة
المعركة.
الطائرة
بدون طيار من المملكة المتحدة التي لاحظت مورفو... جعلَ هذا شين يضيّق أعينه ويغطس
لبُرهة في ذاكرته.
نعم... يمكنكم اعتبارها أنّ لديها نفس الأسلحة التي قد
تحملها العذراء.
قالها
وليّ عهد المملكة المتحدة خلال المؤتمر الذي ناقشوا فيه كيفية التعامل مع مورفو ،
مشيرًا إليهم على أنهم طائرات بدون طيار ببساطة. وسمع شين عن ذلك من إرنست بعد العملية.
حيثُ تحدّثَ عن ولي العهد بابتسامة وأنّه كما يتوقعه المرء حتى في مثل هذا
الاجتماع ، تكلّمَ بأناقةٍ ورشاقة شعرية.
ولم
يكن يومًا شخصية منمِّقة في الكلام.
آنذاك
كانت الطائرة بدون طيار التي وصفها من نوع السيرين. ولذا لم يكن الأمر مجازًا. إنّ
الحمولة التي تحملها داخل المقصورة بالفعل فتاة. حقيقة أنّها أصغر من فيلدريß جعل اكتشافها صعبًا على المجسّماتِ والرادار. ولكن في المقابل إذا كان
الوزن الذي يمكن حمله هو نفس وزن الإنسان ، فبمجرّد حمل السيرين معدات الاتصالات
وحزمة الطاقة الاحتياطية ، فلن تكون قادرة على حملِ الأسلحة. ثمّ من أجلِ مراقبة
مورفو في مدينة كروتزبيك ، كان عليهم إرسال العديد من صفارات الإنذار مع المعدات
التي من شأنها أن تسمح لهم باختراق التشويش الإلكتروني ، وقد دُمّروا جميعًا.
عمليةٌ
إنسانية بدون خسائر أرواح بشريّة... ساحة معركة إنسانية بدون إصابات.
تكوّنت
السيرين من الموتى ، لذا لم يكن تصريح البيان خاطئًا... وبعد أن ظلّت كورينا صامتة
حتى هذه اللحظة قالت :
" أعني... إنهم نوعًا ما... تعلمون... نوعًا ما مخيفون."
همسَت
كما لو كانت تخشى أن تسمعها السيرين ، رُغم أنّ خمستهم فقط متّصلين بالرنين فيما
بينهم.
" إنه شعورٌ سيّء أن أقول هذا ، لأنه يبدو أنني أنتقدهم وراء ظهورهم ،
لكن... إنهم يبدون مثل الجثث السائِرة ، أليس كذلك؟ أنا... حقًا لا أفهم كيف
يعملون ، لكنهم مخيفون."
بدا
أنّ ثيو قام بتحريكِ رأسه بهمهمةٍ من ثغره "مم."
" هل حقًا يزعجونكم كثيرًا؟ الأمرُ لا يختلف عن الفيلق... مثل الخراف
السوداء والرعاة. كل ما فعلوه هو وضع نسخة من دماغٍ بشري في وعاءٍ على شكلِ
إنسان."
"...لا أعتقد أنهم على مستوى حيث يمكنكَ القول أنهم ' فقط' يفعلون ذلك لهم..." توقف ثيو
مؤقتًا. " أعني ، السيرين ليسوا مثل البشر. إنهم لا يتنفسون ، وهناك تأخرٌ زمنيٌّ
غريب في تحرّكاتهم ، وتعبيراتهم متوقعة بسبب نمطها الثابت ، وعيونهم غير مركزة.
إنهم أشبه بألغام ذاتية الدفع على شكلٍ بشري يمكنه التحدث."
حتى
الآن سردَ عدّة تناقضات لم تخلق الإزعاج في شين. نظرًا لأنّ الرسمَ هواية ثيو ،
فهو يميلٌ إلى مراقبة رعاياه بعمقٍ أكبر. وربما وجدت كورينا أنّ السيرين مخيفة
لأسبابٍ مماثلة. هي قنّاصة ، والقناصة لا يصوبون عادة على أهدافٍ ثابتة.
يظلُّ
هناك تأخيرٌ زمني يتراوح من أعشار الثانية إلى بضعِ ثوانٍ قبل الاصطدام بالهدف ،
اعتمادًا على المسافة بغض النظر عن مدى سرعة قذيفة الدبابة. وخلال هذا الوقت
القصير هناك احتمال لأيّ هدف أن يتحرك ، سواء أكانوا بشرًا أم فيلقًا.
لذا من أجل تحقيق هدف القنص يجب أن تتنبّأ
بالمسارِ والمسافة وأن يكون لديها عين مراقبة قادرة على رؤية أي حركات دقيقة.
لذا
بعد أن اكتسبت هذه المهارات ، أًصبحت كورينا قادرة على الالتقاطِ دون وعي
الاختلافات بين الإنسان والسيرين.
" لقول الحقيقة ، يبدون بشريين من الخارج ، لكن من الداخل يشبهون فيلدري
ßإلى حدٍّ كبير. لقد سمعتُ أنه
خلال اضطرارهم إلى جعلها بحجم وشكل الإنسان ، فإنّ وقتَ تشغيلها وطاقتها محدود
للغاية."
" الحواسُ الوحيدة التي يمتلكونها هي السمع والبصر ، وبطونهم مليئة
بأنظمة الدفع والتبريد الخاصة بهم... لا يأكلون ، ولا يضطرون إلى النوم... لا
أستطيع حقاً أن أتخيل كيف يجب أن نشعر."
" على افتراضِ أنهم حتى يشعرون بأي شيء."
" ثيوووو."
" مااااذا؟"
لحظتئذْ
أدركَ ثيو وصمَتْ. شعرَ شين بالتفاتة رايدن الصامتة اتجاهه لكنه لم يدرك ما هو
الأمر لثانية. ثمّ بعد أن رمش لمرة واحدة ، أدركْ.
أوه.
كانوا يتحدثون عن أخيه.
شقيقه ري الذي قُتلَ في المعركة ، وسُرق رأسه ليصبح من الفيلق. لم يكن شين يزعج نفسه بهذا الموضوع كثيرًا. كان ذلك الديناصوريا بالتأكيد شبح أخيه ، نعم ، لكن شين لم يكن يعرف ما إذا كانت أفكاره ووعيه قد بقيا هناك حقًا. وينطبق الشيء نفسه على عددٍ لا يحصى من الرفاقِ الذي فشل في إنقاذهم من أن يأخذهم الفيلق بعيدًا.
لذلك
لم يشعر بالكراهية اتجاه اعتبار بُنية الأدمغة الميكانيكية المنسوخة كآلة وليس
كإنسان. بإستثناء…
سمحَ
الصمت لشين بأن يغرق في أفكاره. إنّه كما قال ثيو ، لم يكن هناك فرق كبير بين
السيرين والأغنام السوداء والرعاة وكلاب الراعي. جميعهم نسخًا لأدمغة بشرية ،
وأشباحٌ ميكانيكية لا يمكن حتى تسميتها جثث. وسواء كان الرأس مأخوذًا بعد وفاته أو
نسخة مكررة منه ، فقد كان أخًا أكبر لشين. ثمّ ليرش... وجميع السايرينات الذين
خُلقوا من هياكلِ أدمغة قتلى الحرب ، كانوا...
-
لم
يكن فيكا بالمناسبة مرتبطًا بقادة سرب رأس الحربة عبرَ البـارا ريـد بسبب أخذه
تسلسل قيادي مختلف ، وفقط قائدتهم لينا وطاقمها على اتصالٍ دائم بهم.
"...ألا
يدركون أننا نستطيع سماعهم؟ إنهم يتحدثون بتهور ، إضافة إلى... "
مالت
تقاسيم فريدريكا إلى العبوس وهي تستمع لثرثرة الجنود المراهقين. لقد كانت عملية
استطلاعية حيث أكّد شين أنّ العدو لم يكن موجودًا في وقتٍ مبكر في المناطق
المحيطة. ولن يكون هذا هو المسار الذي سيُسلك خلال العملية ، لذا عبثوا خلال
استمرار يقظتهم بوقت الفراغ ودردشوا مع بعضهم البعض.
بينما
استقرّ الطرف الآخر على القطاع السطحي لقاعدة قلعة ريفيتش ، حيث لم يُجهّز مركز
بيانات القاعدة لاستقبال رابط بيانات الجاغرنوتز ، لذلك من هنا تولّت لينا القيادة
داخل مركبة فاناديس ، أينَ جلست في مقعد القائد وأراحت كتفيها للأسفل بجسدٍ مرتخي.
"
أقسم... قد يكون لديهم تسلسل قيادي مختلف ، ولكن من يدري متى قد يتصل شخص ما من
المملكة المتحدة بـالرنيـن..."
انتشرَ
إلى جانبِ فاناديس سرب بريسينجامين بقيادة كوكولوبس ، وفرقة باروشكا ماتوشكا التي
تحمل مدفعًا طويل الماسورة مقاس 120 ملم على ظهرها ، وقد تميّزت عن فاناديس ولوي
بصغرِ حجمها ومظهرها الضخم المدعوم بأرجلٍ قصيرٍ وسميكة. وتسلّحت مثلَ حصنِ الوحش
بدرعٍ أبيض مثلَ الثلج كساها ، ومدفعين رشاشين ثقيلين وقاذفة ، وآخرُ اللمسات
مستشعر بصري أزرق متوهج لاحَ كمظهر وحش غامض تتغنّى به القصص الخيالية.
بالرغمِ
من كونه أحد الفيلدري ß، إلا أنه ليس نموذجًا يركّز بشكلٍ رئيسي على
التنقل. صُمّمت هذه الآلة وخُطط لوضعها في التضاريسِ الغير مستقرة التي يُصعب
المناورة فيها على أرضِ ساحة معركة المملكة المتحدة ، مع وضع الإستراتيجية
المركزية المتمثلة في نصب الكمائن لتدمير العدو بضربةٍ واحدة.
وُضعت
علامة شخصية لثعبانٍ ملفوف حول تفاحة عُرف بلقب غاديوكا على درعِ الوحدة. وهي وحدة
إمبراطورية فيكا الشخصية ، التي عُدّلت بقدرات اتصال وحوسبة محسّنة للقيادة
والتحكم. إنّ إرسال الضيف لوحده بطبيعة الحال لن يكون مفيدًا ، لذلك ذهبت معه ليرش
وساعدت في قيادة السيرين الذي كانوا يستكشفون الطريق لعملية الغزو.
" لكنني في دهشةٍ بعض الشيء... اعتقدتُ أنّ شين والآخرين قد
يشعرون ببعض التعاطف مع السايرينات ، نظرًا لأنهم عوملوا بنفس الطريقة التي
كانوا..."
هم
، الستة وثمانون ، الذين عرفوا كيف يكون الأمر أن يعاملوا كأجزاء من طائرةٍ بدون
طيار ويُجبرون على القتال.
لكن
من الواضح أنه لا يوجد شيء مغاير عن الحقيقة. فاشمئزاز كورينا الصريح مثالًا
جذريًا ، مع ذلك كان صحيحًا تمامًا بالنسبة لموقف ثيو الفظ ، وحتى بالنسبة لرايدن
، الذي على الرغم من عدم اكتراثه العام على ما يبدو امتلكَ أفكاره الخاصة حول هذه
المسألة. صدرَ من أنجو التعاطف أيضًا ولو القليل منه فقط. وبقدر ما استطاعت لينا
أن تراه ، حافظَ الستة وثمانون الآخرون عمومًا على مسافةٍ تبعدهم عن السايرينات ،
حيث رأوها آلات غير مألوفة ومخيفة.
" أنتِ لن تشعري بأيّ صلةٍ بالديكتاتوريين الذين قادوا مطاردة
الساحرات أو أمروا بمذابح الجماعات العرقية الأخرى ، فقط بسبب الانتماء إلى نفس
فئة الظالمين أمثالهم ، ألستُ محقّة؟ كونكَ مشابهًا للآخر ليسَ سببًا للتقرّب أو
التعاطف معهم. بادئ ذي بدء ، هذا مشكوك فيه إذا كانوا مشابهين لتلك السايرينات
أصلاً... فبعد كل شيء ، ألم تبتعدي عن السايرينات في المرة الأولى التي رأيتهم
فيها على حقيقتهم؟ "
تناسَت
فريدريكا عن عمدٍ ذكرى تجمّدها في مكانها عندما كشفت ليرش حقيقة نفسها وفقدان
صوتها حتى انتهاء المحادثة. أدلَت لينا بإبتسامةٍ هادئة.
"…نعم.
ربما أنتِ مُحقة."
"
تسيرُ الأمور على هذا النحو... ومع ذلك ، حسنًا..."
أمالت
فريدريكا رأسها مكملة.
"...قد يكون هذا اللقاء جيدًا بالنسبة لهم."
عندما
مالت أنظارُ لينا إليها ، ألقت الأخرى رمقاتها على الشاشة المجسّمة بلا مبالاة.
" متابعة السؤال حول ماهية السايرينات حقًا ليس ذا صلة بساحةِ
المعركة ، ولكن السؤال عمّا إذا كانوا بشرًا أم لا ، وإذا لم يكن الأمر كذلك ، فما
الذي يميزهم عن بعضهم البعض؟ ما معنى أن تكونَ بشريًا حقًا ، وما الذي يجعل المرءُ
إنسانًا…؟ جميع هذه الأسئلة مهمة سيتعين عليهم يومًا ما طرحها على أنفسهم."
"………"
أشارت
لينا إلى أنّ حزمة الضربات المتنقلة قد شُكّلت لتكون مسؤولة عن الهجمات على
عملياتٍ عسكرية مهمة. كان من المقرر أيضًا إقراضها إلى دولٍ أخرى للحصولِ على
المساعدة ، أينَ لعمليات التوزيع معدلات وفيات عالية. لذا من المعقول تمامًا أن
الفيدرالية أخلصت نيّتها في استخدامهم كوحدة دعاية لكسب الامتيازات والديون من
البلدان الأخرى عندما يحين وقت السلم.
لكن
في ذات الوقت كانَ هناك احتمال آخر. أُعطيت فتراتٌ دراسية وتعليم مخصّص للستة
وثمانون ، رغم عدم ضرورتها نظرًا لأن دورهم كان القتال فقط. وزيادة عدد العاملين
في مجال الصحة العقلية المخصص لهم وبرامج الإرشاد الشاملة. حتى مقرّهم وقعَ
بالقربِ من مدينةٍ كبيرة مزدهرة.
كل ما ذُكر جنبًا إلى جنب مهمات إرسالهم لإنقاذ البلدان الأخرى قد تكون أحد الاعتبارات الخاصة للاتحاد. لإظهار الستة وثمانون الذين لم يتمكّنوا من رؤية ما وراء الوضع الحالي نحو مستقبل لا يلوّح فيه الفيلق في الأفق ، نحو عالم جديد...
" ما الذي يجعلنا بشر؟ بعبارةٍ أخرى ، لأيّ غرضٍ نعيش؟ لعلّ
هذا اللقاء فرصة جيدة لهم لإيجاد أملُ إجابات أسئلتهم المضطهدة."
-
تلقّى
سرب رأس الحربة منذ وقتٍ قصير رسالة مجدولة من ليرش المسؤولة عن الرنين مع وحدة
الألكونوست. ثمّ بعد التواصل معها عبر البـارا ريـد ، التواصل مع شخص ميّت ملأَ
الرنين جوّ يقشعر وبارد لن تكون موجودة في الإنسان العادي. ربما كان هذا جزءًا من
سبب شعور الستة وثمانون بالاشمئزاز من السايرينات ، لذلك كورينا وزملائها الآخرين
التزموا الصمت عندما أجابها شين.
بعد
تبادل عدة تقارير ورسائل واختتام التقرير ، قالت ليرش فجأة:
" بالمناسبة ، هل لي أن أسألكَ شيئًا ما؟ "
"…؟ نعم."
أومأَ
شين برأسه شاعرًا أنّ ليرش بعد الموافقة جلسَت باستقامة في مقعدها لطرح ما تريده.
" لقد سمعتُ عن أعمالِ الجمهورية الهمجية وأنّ لدى الستة وثمانون ملجأ في
الفيدرالية بعد سقوط الجمهورية... فلماذا عدتّ إلى الجيش؟ هل طلبت منكَ الفيدرالية
التجنيد في الخدمة العسكرية مقابل الحصول على الجنسيّة؟ "
خدشَ
صوت كورينا مقاطعة بردٍّ فوريٍّ متعصّبْ.
" لم نقاتل أبدًا لأنّ شخصًا ما أجبرنا على ذلك."
زجرَت
نبرتُها القوية الحادّة سؤالها ليبان انزعاجها.
" ليس من أجلِ الفيدرالية ولا لخنازير الجمهورية البيضاء.
أبداً. اخترناه لأنفسنا. إذا كان علينا أن نحسب الأيام حتى نُشنقْ ، فنفضّل القتال
ومقارعة الموتْ ، ونواصل النضال حتى اليوم الذي يأتي فيه أخيرًا... لذا لا تنظري
إلينا بازدراء."
"………"
انسابَت
ليرش في الغرقِ من زخمِ قوة بيان كورينا.
" خالصُ اعتذاري. فكّري على أنّه ما قلته نقيق لا معنى له
لطائر صغير واغفري لي... ومع ذلك ، في هذه الحالة... "
التقطت
أرجُل مركباتهم قراءة مستشعرات التذبذب وانبثقت نافذة تنبيه. وبعدَ لحظةٍ من
التأخير ، سمعوا صوتا ثقيل وقاسٍ لألواحٍ معدنية تتصادم. برزَ صوت برج لوي مقاس
120 ملم آتيًا من اتجاه طريق غزو جبل التنين فانغ. بالضبط أين تواجدت السايرينات
للاستطلاع.
" لقد كُشفت مواقعهم. يا للإهمال…! على الرغم من أنكَ منحتهم
المواقع الأولية للعدو ، سيدي حاصد الأرواح...! "
ضجّ
عويلُ الفيلق دفعة واحدة في جميع أنحاء المناطق المتنازع عليها. حيث لُوّنَ وجودهم
الذي أصبحَ أكثر وضوحًا لكونهم في مجموعات بعداءٍ مبرمج فارغ وعنيف.
تنازعَت
صرخة من وحدة لا زالت بعيدة من هنا ، صرخةُ حرب خاصة تأتي دائمًا قبل نمط هجوم
محدد مباشر. ليتماسك شين على أُثرها. لكن لا تزال المسافة بعيدة للغاية ، وما
ينتظر وراء الأفق كان مناطق الفيلق فقط. هل هي السكوربيون؟
ولكن
إذا كانت السكوربيون ، فقد يكون أيضًا...
"…!
إلى جميع الوحدات ، انتشروا وبدّلوا مدافعكم الرئيسية إلى أسلحتكم الفرعية.
كولونيل! "
نادَ
صارخًا في اللحظة التي أدرك فيها أنّ ما شعر به لم يكن من سكوربيون.
"
نحن ندخل المعركة... وأتوقعُ المزيد من تعزيزات العدو. حذّروا الوحدة المدرعة
أيضًا! "
* * *
في الحقول الثلجيّة المكتنزة داخل الغابات ، وعلى بُعد ثلاثون كيلومترًا من خط المواجهة على أراضي الفيلق. تأهّبت وحداتهم بقيادة محاريث تمتصّ الصدمات المتعددة ، مثبّتة بأرجلها في الأرضِ لتمكين نفسها بينما يقفلون مفاصلهم بصلابة. ثمّ ينشرون القضبان الضخمة التي يصل طولها تسعون مترًا على ظهورهم ، متّجهينَ شمالًا إلى الخطوط الأمامية للمملكة المتحدة.
- صورة
توضيحية للـمحراث-
وبعد
استعداد المحاريث صعدت وحدات أمايزي المنتظرة على القضبان. مستبدلين رشاشتهم
متعددة الأغراض مقاس 7.62 ملم إلى مدافع رشاشة 14 ملم مخصّصة للاشتباك مع الوحدات
المدرعة الخفيفة.
تشبّثوا
بالقضبانِ وأرجلهم متّصلة بمكوكٍ يشبه الركائز الأساسية ، ثمّ ينحنون مستعدّين
خلال انزلاق البرق الأرجواني على طول سكّة القضبان الحديدية كالثعبان.
كان
نوع هذا الفيلق الحامل للسكك الحديدية مثل وحدات السكوربيون والستاشلشواين الذين
لم يظهروا في الخطوط الأمامية. على عكس تلك الأنواع من المدفعيات فهم وحدات دعم
خاص لم تواجهها البشرية بعد.
وأطلقَ
على رمز التطوير الذي أعطته زيلين بيركينباوم لأنواع الدعم هذه أثناء تطويرها في
المختبر العسكري الإمبراطوري بـنوع المشغل الكهرومغناطيسي - الزينتور.
* * *
عُلّقَ
بصر لينا عند انصِباب الخبر على مسامعها.
"
معركة؟! هل تقول أنّ الأعداء يحلقون فوق قوة الاستطلاع أمامك ؟! "
لعلّ
الشكُّ سيساورهم باحتماله كمينًا ، لكن حدوث هذا مع شين مستحيلًا. سمعت بوضوح صوت نقر
فيكا على لسانه بجوٍّ مشدود على الجانب الآخر من الرنين.
" لعلّ ما قاله نوزين صحيحًا. فقد اشتبكت للتو وحدة مدرعة أخرى منفصلة مع
العدو... ما نوعُ الحيلة التي ينسجونها هنا؟ "
بلا وعي خرجَت شهقةً من ثغر مارسيل المُستمع.
"
ربما يستخدمون نوعًا من وحدات الإطلاق! لإسقاط الوحدات الخفيفة مثل الألغام ذاتية
الدفع وأمايزي عليهم! "
"
إسقاط... ؟! آه…! "
شدّت
لينا على أسنانها بعد إدراكها لما يحدث. لقد شاهدت ذكر ذلك في سجلاتِ القتال
للاتحاد الفيدرالي. ووجوده أمر نادرٌ جدًا ، حيثُ شوهد وحدات فيلق خفيفة الوزن
محمولة جواً وفيلق من نوع مضرب المنجنيق الغير مؤكد - الزينتور.
استخدم
المنجنيق بشكلٍ أساسي من قبل حاملات الطائرات للسماح للطائرات المقاتلة بتحقيق
السرعة اللازمة للإقلاع في حالة عدم كفاية المدرجات المتاحة. واستخدموا الضغط
الهوائي أو الكهربائي لركل الطائرات بسرعة عالية في البحر.
على
الرغم من كونها طريقة عنيفة ، إلا أنه أيضًا جهاز تباهى بقدراته الهائلة ليسمح
بتسريع طائرة مقاتلة محمّلة بالمتفجرات إلى ما يقرب من سرعة ثلاثمائة كيلومتر في
غضون ثوانٍ. لذا استخدامه في إطلاق أمايزي خفيف الوزن أو حتى لغم ذاتي الدفع الأخف
وزنًا مجرّد مسألة بسيطة.
تلوّى
وجه مارسيل بالمرارة.
"
لقد تعرضنا لمثل هذا الكمين ذات مرة أثناء تدريب الاستطلاع ، عندما كنت في
أكاديمية الضباط الخاصين مع الكابتن نوزين ويوجين... أحد معاصرينا في ذلك الوقت.
آنذاك تهاوى العديدُ من الضحايا. حتى لو كانوا من ذوي الأوزان الخفيفة ، يمكن أن
يكونوا خطرين إذا أحاطوا بك فجأة."
*
*
*
رُفعَ
الزئيرُ غير المسموع للأذن البشرية ، وقام الزينتور بتنشيطِ المنجنيق
الكهرومغناطيسي الذي يحمل القضبان على ظهورهم. منطلقًا مع المكّوكات المتشبّثة
بأمايزي التي تزن أكثر من عشرة أطنان لكل منها ، وألقت كبسولات تحتوي على فصيلة من
الألغام ذاتية الدفع فوق القضبان التي يبلغ طولها تسعين متراً. عندما وصلوا إلى
أقصى سرعة عند أطراف القضبان ، حُرّرت الأقفال في لحظتها وانطلقَ الفيلق خفيف
الوزن محلّقًا في السماء ، مشعلًا المعززات الصاروخية التي رُبط معها ، وصعدوا
بعيدًا في الهواء تاركين آثار النار والدخان في أعقابهم.
وصلوا
إلى الارتفاع المطلوب في غمضةِ عين وتلقائيًا حدث تطهير لمعززاتهم بعد الاشتعال.
ثمّ قبل أن تسحبهم الجاذبية إلى السقوط ، قاموا بنشرِ أزواجٍ من الأجنحةِ الشفافة
القابلة للطي والتي يمكن التخلص منها. حيث استحوذت عليها جاذبية الكوكب السائدة
على جميع المكنونات ، واشتعلت أجنحتها المنتشرة أثر رياح هبوطها وتحوّلت إلى
انزلاق.
انزلق
الفيلق من ذروةِ التجمّد في السماء إلى الأرض المكسوّة بالثلوج ، وبدأ في نزولٍ
متهوّر إلى الإحداثيات التي دخلوها.
* * *
فصلَ
الفيلق طائراتهم الشراعية عند اقترابهم من الأرض ، وبسطوا أرجلهم للهبوط. هوَت
مراكب الأمايزي على ستةِ أرجل بينما استخدمت الألغام ذاتية الدفع أطرافها الأربعة
مثل الحيوانات أثناء خروجها من كبسولاتها في لحظة الانفصال.
على
أثرهم تناثرت الثلوج ، واهتزت الأرض بينما ينتشرون في الفجواتِ بين الأشجار.
لحظتئذ قامت الأمايزي المسؤولة عن الاستكشاف بتحويلِ مجسّاتها المركبة عندما...
"—
إطلاق."
في
اللحظة التي أمرهم شين ، نهض الجاغرنوتز المستلقون لإحداثِ كمينٍ وأطلقوا نيران
مدافعهم الرشاشة المجهزة بأذرعهم المتصارعة. كان كلّ الأمايزي والألغام ذاتية
الدفع من الأنواع المخصصة للقتالِ ضد الأفراد ، ودروعهم خفيفة وبالتالي رقيقة
ليُسمح بتحميلها بسهولة. لذا وابلٌ من نيرانِ المدافع الرشاشة الثقيلة والقادرة
على تمزيقِ محرك السيارة إلى قطعٍ صغيرة ، حوّلتهم إلى جبنٍ سويسريّ قبل أن
يُطلقوا إنذار مواجهة العدو.
وتأكيدًا
على أنّ عويل الأشباح قد تلاشى ، حوّل شين انتباهه إلى نقطة هبوط الفيلق المتوقعة
التالية. على عكسِ قصف أنواع سكوربيون بعيدة المدى والتي ترسم منحنى مكافئ ، سمح
الانزلاقُ للفيلق بالتحكم في مسارهم وتغيير مواقع هبوطهم ليجعلوا من الصعبِ التنبؤ
بهم ، ولكن هنا الوضعُ مختلفًا مع كون هذه الغابة هي ساحة المعركة. تطلّب الهبوط
قدرًا معينًا من المساحة المفتوحة ، ولم يكن لهذه الغابة الصنوبرية السميكة البالغ
عمرها مئات السنين ، مواقع كبيرة بما يكفي لاستيعاب ذلك. وهكذا ، كان بإمكان شين
القادر على تتبع مسارهم في الجو ، أن يتنبأ بسهولة إلى أين يتجهون تاليًا.
"
ريتو ، الاتجاه 113. ميشيهي ، إنّهم بعيدون عن سربكِ بقليل... أطلقوا عليهم
الرصاصَ بمجرّدِ هبوطهم."
" استلمممممتْ."
" نعم سيدي!"
هدرَت
أصوات نيران المدافع الرشاشة الثقيلة في آذانهم مخترقة الحجاب الكثيف لأشجار
الغابة المحيطة. ومع ذلك ، كانت أعدادهم كبيرة جدًا. يميلُ الفيلق إلى نشرِ
الإستراتيجية اللاَّإنسانيَّة المتمثلة في استخدام جزء من قواته كبطٍ مزيّفٍ خدّاع
لجعل البقية يتقدمون. وسرعان ما ينسحب المعالجون بدون أي خيارات أخرى.
اتصلَ
الرنينُ عبر البـارا ريـد بصوتِ فيكا متحدّثًا إلى شين ، كما لو ظهرَ للإجابة على
هذه المعضلة. تجاوزَ فيكا بهذا الفعل السلطة المخوّلة له ولكنه لم يكترث لأحد ،
ولا حتّى لـلينا.
" نوزين. سوف نتخلص نحن من المقاليع. ركّز فقط على من يهبط."
التقط
سمع شين الأصوات الخافتة المتتالية للانفجارات التي تدوي في خلفية صوت فيكا. صوتُ
العديد من مدافعِ الهاوتزر ، وهي على الأرجح الدفاعات الثابتة لقاعدة القلعة. ثمّ
أُخرست في لحظة الأصوات الكثيفة المنتمية لمقاليع العدو. ليدرك شين أنّ نيران
الهاوتزر قد جرفتهم بعيدًا ، وأعاد تركيزه إلى الأعداء من حوله... في الواقع ، كان
جيش المملكة المتحدة منظمًا تمامًا. . كما هو متوقع من الجيشِ الذي أوقف غزو
الفيلق في سلسلة الجبال هذه لمدة عشر سنوات.
"— عُلمْ."
-
"— من فريق المدفعية إلى غاديوكـا. اكتمل القمع. "
"
ابقوا على أهبّة الاستعداد. ووفّروا تغطية النيران عند الطلب."
" بإرادتك."
أومأ برأسه لتقرير فريق المدفعية ، ووجّه فيكا انتباهه إلى حارسته الملكية.
"
ليرش."
" نعم يا سيدي."
استجابَت
فورًا عبرَ جهاز الاتصال البـارا ريـد الخاص بالجمهورية والفيدرالية. أصبحَت
السايرينات التي تسير بقيادته تحت سيطرته الكاملة واحدة تلو الأخرى. عادةً يتراوح عدد
معالجو السايرينات التي يمكن التحكم فيها من فرقٍ مكونة من أربعة أفراد إلى أربعين
شخصًا. ولكن فيكا الوحيد في جيشِ المملكة المتحدة القادر على قيادة كتيبة كاملة قوامها
مائتان دفعة واحدة.
"
أَريهم."
-
تلى
ردّه صوتها وهي تجلس داخل قمرة قيادة الألكونوست : " بإرادتكَ يا مولاي."
المُعرّف
باسمِ تشايكا. انعكسَ ضوء أحادي خافت اللون للشاشة البصرية على عينيها الاصطناعية الخضراء
الباهتتين.
والذي
كافحَ فيكا بجدّ لجعلها لا تتميّز عن الإنسان. ومع ذلك ، لم يكن هيكلها ووظيفتها مختلفين
عن مستشعر فيلدريß البصري. مثل أذنيها التي تلقّت أوامر سيّدها لـِ... على الرغمِ من أنّ حواسها
في الذوقِ والشمِّ واللمسِ والألمِ كانت معدومة.
في النهاية
، نحن مجرّد آلات مزوّرة في شكل الإنسان. نحن لسنا بشر.
"
وحدة السيرين الأولى ، إنّها ليرش ــــ غادروا الآن! "
-
زحفَ
الفيلق الذين أُفلتوا من الاعتراض إلى الغابات المظلمة وتمكّنوا من إعادة تجميع صفوفهم.
" ــــ حاصروهم في
كلا الاتجاهين مثل الكمّاشة... حتى لا يتمكنوا من إطلاقِ النار في هذا الاتجاه!"
انقضَّت
الألكونوست بحدّة من بينِ الأشجار في اللحظة التي أُذيع على مسامعهم تحذير ليرش من
خلالِ كل من اللاسلكي والرنين الحسي.
في الجانب الآخر ، استعدّ شين لأصوات الأشباح المنبعثة من الألكونوست. صوتُ اللحظات الأخيرة من قتلى الحرب الذين سلبوا عقولهم أثناء فقدانهم لوعيهم. أصوات الأشباح الذين استمروا في التمني والتوسل للسماح لهم بالعودة.
نقرَ
شين على لسانه أثناء تفكيره بصعوبة تمييزهم حقًا. لا يستطيع التفريق بينهما خاصّة
في العراك ، حيث اختلطَ الصديق والعدو معًا بشكلٍ عشوائي. حُسّنت الألكونوست من
أجل القتال في ساحات المعركة المتجمّدة بخفّة الحركة التي تتجاهل التضاريس الثلجية
، واقتربت من الخطوط الأمامية للفيلق من ثلاثة اتجاهات.
مثل
باروشكا ماتوشكا ، امتلكَ الألكونوست خمسة أزواج من الأرجل باستثناءِ أرجلها الطويلة
والمفصلية. كان جذعها الذي أُرفق قمرة القيادة فيه رقيقًا للغاية لدرجة أنّ الشكوك
عبثت بامتلاكها درعًا منذ البداية ، مما يمنحها مظهر عنكبوت القبو. سمح لها درعها
الأبيض بالاندماج مع ظلال الثلج كأنّها منحوتة جليدية ، ولكن عارض هذا الانطباع قاذفة
البندقية ذات الماسورة القصيرة من عيار 105 ملم.
شقّ
الألكونوست طريقهم عبر الأشجار في قفزاتٍ صغيرة أو تسلّقهم الجذوع السميكة والركض
فوق قمم الأشجار ، تاركين الصوت الحادّ المميز لمخالبهم الصلبة التي تطعن في الجليد
في أعقابهم. بدَت إطاراتهم أخف من الجاغرنوتز ، وعلى غرار الريغينليفز ركّزَ مفهوم
تصميمهم على القتال عالي الحركة.
من
الخلف وفوق رؤوس الأشجار ، هبطَت العناكب مثل حيوانات الشتاء الجائعة على الفيلق عندما
استدارت لمواجهتهم.
-
مع تعرّض
الزينتور للقصف قبل أن يتمكنوا من إطلاق جميع القوات المحمولة جوّاً ، كل ما تبقى هو
اكتساح الأمايزي والألغام ذاتية الدفع ذات القدرات القتالية المنخفضة نسبيًا. ومع قلّة
أعدادهم ، لم يعادلوا خبرة الستة وثمانون في قمعهم.
من ناحية
أخرى ، كافحت قوة مدرعة منفصلة مع وحدة لوي التي احتشدت للدعم.
"
كابتن نوزين ، اختُرقت القوة المنفصلة. يتشاركان بمثل الحجم والتشكيل القياسي من
أنواع جروولف ولوي. كن حريصًا."
" عُلم ، كولونيل.
سنذهب لاعتراضهم... كورينا ، قومي بتغطيتي. رايدن ، تعامل مع هذا الجانب."
" ليرش ، خذي فصيلتين
وانضمي إليهما. تعلّمي منهم."
" بإرادتك."
بدأت
أيقونات الفِرق المختلطة من الجاغرنوتز والألكونوست بالتحركِ داخل الشاشة الرئيسية
لفاناديس نحو المعركة مع الفيلق.
كان الاستلقاءُ
في الانتظار على جوانب طريق الفيلق والسماح بطليعة العدو بالمرور عمدًا من أجل اصطيادهم
وضربهم أحد تكتيكات شين الراسخة.
راقب
فيكا تكشّف المعركة من قمرة قيادته داخل باروشكا ماتوشكا ، كما قال خلال الرنين:
"…أنا مندهش. يمكن
للوحدات متعددة الأغراض ، وحتى الوحدات المأهولة أن تذهب إلى هذا الحد."
كان صوته مشوبًا بالرهبة ، وابتسمت على أثره لينا بصمت.
قام فريق البحث وطاقم الصيانة بعملٍ جيد في تجهيزهم
للقتال في التضاريس الثلجية ، وعلى الرغم من أن مهارات الستة وثمانون لم تكن انعكاسًا
لمهاراتها ، إلا أنها لا تزال تشعر بالسعادة لسماعها يُشيد بهم.
" الطيارون القادرون
على مناورة الطائرات بدون طيار كالألكونوست في قتالٍ متنقل نادرين في المملكة المتحدة.
وقد أُعدّ هؤلاء على عجلٍ للقتالِ في المناطق الثلجية... إذا سمح لي الوقت بذلك ، فأنا
أودُّ أن أجعلهم يعلّمون السايرينات. إنهم يميلون دائمًا إلى تعويضِ نقص المهارة
بتهوّر ، نظرًا لأنه يمكن استبدالهم في حالة تعرضهم للكسر."
"
شكراً جزيلاً. لكنني فوجئت أيضًا... أرسلتَ أربعون وحدة للاستطلاع وثمانية أخرى بعدهم.
لا أصدق أنك تتحكم فيهم جميعًا بمفردك ... "
" تُتّخذ القرارات
الفردية الصغيرة من قبل السايرينات أنفسهم إلى حدّ ما ، على الرغم من أنني يجب أن أكون
مسؤولاً عن أولوية العدو ومسار تقدمه... أنا فقط أعطي تعليمات أكثر تفصيلاً قليلاً
مما فعلت أثناء قيادتي لهم في قطاع الستة وثمانون."
"
من وجهة نظرك ، هل ترى أنّ هناك أي نقاط خطأ في ريغينليفز؟ "
" أفضّل أن تكونَ معدات
التضاريس الثلجية الخاصة بهم أكثرُ دقة. أمامنا أيامٌ قليلة حتى الهجوم الرئيسي ، لذا
أودُّ أن أستغل الوقت لتعديلها... في الحقيقة ، لماذا لا نجعل الستة وثمانون
يستخدمون الألكونوست؟ لا أمانع في سماعِ رأيهم عن الأمر أيضًا."
تراجَعت
لينا في الاقتراح غير المتوقع.
" أيستطيع البشر قيادة الألكونوست؟ "
" لماذا تعتقدين أنّ
السايرينات مصنوعة على هيئة البشر؟ بدون هذا التوافق فسنكون في مشكلة سيناريو نفتقر
فيه إلى الطيارين. إذا اضطرَ الطيار إلى التخلي عن مركبته أثناء القتال ، فيمكن أن يسلمه السيرين القريب
منه مركبته الألكونوست... بعد كل شيء يُثقل كاهل الجسد عند قضاء الكثير من الوقت في
ساحة المعركة."
غلّفت
الغرابة كلماته الآتية من شفاهِ ثعبانٍ أجوف القلب مثله ، أحد آخر حكام النظام
الملكي الاستبدادي في القارة.
" ساحة المعركة ليست
مكانًا للبشر ليتواجدوا فيه. لو كان بإمكاني جعل السايرينات يقودون الطائرات بشكلٍ
حصري فلن أتردد ، ولكن الأمر يتطلب درجة معينة من الكفاءة لتصبح معالجًا... والجنود
لديهم أفكارهم الخاصة عن الكرامة والاشمئزاز. وفعلهم هذا متوقعًا عندما يفكرون في إسناد
مصير المملكة المتحدة إلى هذه الدمى المرعبة."
إذن
الأمر بحد ذاته لا يعني أنّه حزين على خسارتهم... لكنه كان أيضًا مختلفًا إلى حدٍّ
ما عن صاحبِ ماشية يندب على فقد ماشيته.
"...فيكا.
هل لي أن أسألكَ شيئًا؟ "
" مم؟ "
"حول
ليرش. لماذا هي... الوحيدة التي تبدو تمامًا مثل الإنسان؟ "
سطعَ
لونُ شعرها الذهبيّ تمامًا مثل شعر الإنسان ، ولم يكن لديها بلورة شبه عصبية مدمجة
في جبهتها. وبينما كانت تعمل كمرافقة ، لم تُقيّد عن هذه الخدمة بتخزينها بعيدًا في
أوقاتِ السلم مثل السايرينات الأخرى. وبدلًا من ذلك تتجوّل بحريةٍ في القصر.
"…نعم ، حسنًا…"
لأوّل
مرة ، تحدث فيكا بنبرةٍ مراوغة.
"...اعتذاري ، ولكن
هل يمكنني الامتناع عن الإجابة...؟"
-
لقد كان
صدامًا بين أسلحة مدرّعة عالية الحركة. عندما سارعت الآلات لتفادي إطلاق النار عليها
من الأمام بشكلٍ مباشر في محاولتها إطلاق النار على العدو ، أخذَ المشهد حتمًا
صعوبة تمييز الصديق بعيدًا عن العدو. ووسط كل هذا وُضع شين دافن الموتى في وضعٍ
غير مواتٍ في ساحة معركة ثلجية وغير مستقرة لكونه فقط متخصص في القتال.
على هذا
النحو تجنّبَ قتال التلاحم وكرّس نفسه لمهام الاستطلاع والعمل كبطٍّ خادع يصطاد
العدو في شبكات التطويق التي أنشأها رفاقه. كما تحطّمت موجات الشظايا ونيران المدافع
الرشاشة وطلقات القناصة والقصف على لوي التي كانت تخترق الجليد وتسحقه تحت أقدامهم
، وإحاطة وتدمير أنواع جروولف التي تتحرك بحرية عبر الغابة.
ثمّ واجه الألكونوست الواقف على جانبي الجاغرنوتز أربع فرق من الفيلق ، مكررًا التكتيك المتبع المتمثل في عزل الوحدات الفردية وتدميرها. لقد كانوا بعد كل شيء مشابهين لـريغينلفيز من حيث كونها وحدات مدرعة خفيفة ورشيقة ، ومثل الأندرتيكر صُمّمت للقتال القريب.
دمّروا
الفيلق واحدًا تلو الآخر من مسافةٍ قريبة
، بالاعتمادِ على قاذفات بنادقهم قصيرة الماسورة عيار 105 ملم ، والتي سمحت
لهم بإطلاق النار والصواريخ المضادة للدبابات من نفس المخزن.
لكن…
همس رايدن
بصوتٍ خافت قائلًا : "ــــ إنهم يقاتلون كما لو يعلمون أنهم سوف يدمرون."
تشبثت
العديد من مركبات الألكونوست بـلوي التي انفجرت أرجلها بنيران مدفع رشاش ، وأطلقت وابلًا
فيها مثل النسور التي تتشبث بحيوان وتمزقه حيًّا. عندما اندفع عدد قليل من أنواع جروولف
للمساعدة ، عارضهم لتأخير طريقهم واحدة من الألكونوست بشموخ. ثمّ تشبّث آخر
بجروولف حيث يطارد فوق قمم الأشجار مسقطها سقوط الحر ، واجتذبوا سربًا من الألغام ذاتية
الدفع للاندفاع إلى لوي بعد أن تشبثوا به ، مما أدى إلى تفجير كل من لوي والألغام بعيدًا.
كان الأمرُ مختلفًا عن الستة وثمانون ووحدة فاناغاندرز التابعة للاتحاد الفيدرالي ، الذين واجهوا الفيلق بالقتال في مجموعاتٍ منسقة. استند أسلوب قتال السيرين على التصرف كبطٍ خدّاع ومماطلة الخصم في البداية ، ثم توجيه تهم انتحارية في محاولة للقضاء على أجزاء من قوة العدو. وكان واضحًا من عدم ترددهم أنه لم يكن لدى أي من السيرين تحفظاتٍ على التكتيك. كان الأمر كما لو أنهم قبلوا حقيقة أنهم قابلين للاستهلاك...
" يجب عليهم حقًا اعتبار
وضعهم أفضل قليلاً. إذا انتُقدوا فلن يكون لدينا ما يكفي من الأيدي على العملِ
الجاد للنجاة من العملية. بحق خالق الجحيم ، حتى الوصول إلى هناك قد يكون صعبًا مثل
هذا."
"
نعم…"
ردّ
شين ثمّ قطع مواصلة كلامه فجأة. على يساره ، على حافّة المسار الذي يختفي ما بعده
خلفَ الأشجار ، التقطَت قدرته اختراق دفاع الألكونوست من قبل قوات الفيلق خلال
عراكهم. وبينما يشنُّ نظرات حادّة إلى الأمام بتركيز ، ظهرَ اثنان من لوي على
الطريق. احتوى هذا النوع على مستشعراتٍ ضعيفة جعلتهم لا يشعرون بوجود متعهّد دفن الموتى
وراء الأشجار ، ولم يكونوا حذرين من هجومٍ من اتجاه آخر ، حيث دارت أبراجهم بعد توقف
للحظة. ولكن بحلول الوقت الذي اصطفت فيه أنظارهم نحو طريقه ، كان الأندرتيكر قد وصل
إليهم بالفعل.
اقتربَ
بقفزاتٍ صغيرةٍ وحادة مستغلًا الأشجار المتساقطة كموطئ قدم ، وممزقًا جناح لوي
الأول أثناء عبوره. ثمّ استخدم ساقيّ ضحيته كموطئ قدم للقفز بعيدًا والتهرب من التسديدة
الثانية التي جهّزت ضخ قذيفة من الجانب العلوي لبرجها للانتقام. سقطَ الاثنان من
لوي في اللحظة التي هبطَ فيها الأندرتيكر محاطًا برذاذ الدخان والثلج.
كان
الألكونوست قد اندفعَ بعد ظهور لوي واقفًا ثابتًا ومحدقًا فيه على شاشته البصرية.
برزت العلامة الشخصية لهذه الوحدة برمزِ الطائر البحري الأبيض التشايكا ، وهي وحدة
ليرش.
"…لا يُصدّق. حقًا
، إذن هذه هي براعة حاصد قطاع الستة وثمانون... الإيمان بأنه الإنسان الذي سيطغى بمفرده
على فئة الآلات."
"
هل بقي أي فيلق هناك؟ "
" هاه…؟ لا ، لقد أنهتهم
بقية وحدتي. كان إهمالُنا عائقًا أمامكْ."
أثناء
انسياب كلماتها ، تحرّكَ جهاز الاستشعار البصري الأزرق الخافت لتشايكا نحو لوي
المدمّرة.
" أنا مندهشة أنكَ
بخير. قيادة إنسان لمثلِ هذه الآلة الجامحة ــــ "
أجاب
شين بوضوح: " لقد اعتدنا."
انقّضت
الحرب الشرسة بمخالبها لدرجة أنهم اضطروا إلى الاعتياد عليها سواء أرادوا ذلك أم لا
، وأولئك الذين لم يتمكنوا ، أولئك الذين لم تتمكن أجسادهم من المواكبة ، ماتوا لأنهم
فقدوا مواصلة القتال.
" تقول... اعتدتَ على
ذلك ، فهمتْ. لعلَ ساحة معركة قطاع الستة وثمانون قاسية ، في الواقع..."
شجنَ
صوتها بحشرجةٍ رغم فقدانها لأي وظيفة تنفس قد تؤثر بطبيعة الحال. بينما يُحول جهاز
الاستشعار البصري لتشايكا مرّة أخرى إلى فيلقٍ محطّم.
"...سيدي حاصد
الأرواح. لو…"
فجأة سألته سؤالاً عرضيًا بصوتٍ حلو بعد تعديل نبرها.
" إذا كان بإمكانك
اكتساب المزيد من البراعة القتالية بـالتخلصِ من جسدك ، هل ستفعل ذلك يا سيدي حاصد
الأرواح؟ من أجلِ العيشِ ومواصلة القتال."
لبُرهة
، فقدَ شين محاولة فهم ما تقوله. وما بعدها أدرك ، وشعر بالقشعريرةِ التي توخز
عموده الفقري بحدثٍ نادر لشخصٍ لا مبالي للغاية مثله.
"ما
الذي ـــ؟ "
" يمكن زيادة نظام
الدورة الدموية لديك لزيادة كفاءة الضخ. يمكن تعديل ساقيك باستخدام عضلات اصطناعية
من شأنها زيادة امتصاص الصدمات لمنع الإغماء. إذا كان دمكَ مصنوعًا من مادة اصطناعية
، فسترى تحسينات كبيرة في قدراتك على إنتاج الأكسجين. حاليًا ، أعضائك الداخلية عرضة
للتأثير وغير مناسبة للقتال عالي الحركة الذي اعتدنا عليه... كل هذه التعديلات ممكنة
باستخدام تكنولوجيا المملكة المتحدة ، على الرغم من أن العديد من الإجراءات لا تزال
في مراحلها التجريبية. هشاشة الدماغ شيء لا يزال بعيدًا عن متناول تقنيتهم ، لكننا
نحن السيرين تغلبنا حتى على هذه المشكلة. هل ستكتسب مثل هذه القوة إذا استطعت؟ هل سترغب
في ذلك لتستمر في القتال؟ "
"..."
من أجل هزيمة الفيلق... كان اقتراحًا صحيحًا. طغى الفيلق على البشرية لأنها آلات مصممة خصيصًا لمحاربة البشر. إنّ للبشر العديد من الوظائف عديمة الفائدة أو حتى غير مواتية عندما يتعلق الأمر بالقتال ، ولا يمكنهم أن يأملوا مطابقة الفيلق الذي يتطوّر لأجل القتال فقط.
لذلك
إذا تخلّص البشر من كل عيوبهم... إذا تخلصوا من أي شيء غير ضروري للقتال وكان عليهم
أن يتخلصوا من اللحم والدم اللذين كانا عديمين للمعركة لصالح آلات أكثر كفاءة ، فمن
المؤكد أنّ ذلك سيزيد من فرصهم في النصر.
وما زال
الستة وثمانون... أولئك الذين ليس لديهم ما يدافعون عنه... ولا شيء يكسبونه... والذين
رأوا القتال حتى النهاية المريرة هو مصدر فخرهم الوحيد ، لا يرغبون في التضحية بأجسادهم
من لحمٍ ودم من أجل القضية.
نُسجت
ابتسامة على شفاهِ ليرش في صمتِ شين. ابتسامة احتضنت بعض السخرية مختلطة أيضًا بدرجاتٍ
خافتة من الارتياح.
" ــــ لقد قلت شيئًا
غير ضروري. من فضلك لتنسى أنني ذكرت هذا."
"
أنتِ…"
نمَت
ابتسامتها مجددًا.
" العدو يقترب ، سيدي
حاصد الأرواح... لتنسى الأمر من فضلك."
-
أعاد
الجاغرنوتز والألكونوست تجميع صفوفهم وسرعان ما تحولوا إلى إخراج القوات المحمولة جواً
التابعة للفيلق. بعد ذلك بوقت قصير ، اشتبكت الوحدة المدرعة البريطانية مع قوات الفيلق
المدرعة وقضت عليها. وفي وقتٍ ما ، في خضمِ القتال الذي اندلع على أرض الجليد...
" ـــ أنتَ
المهووس بالطيور الجارحة الميّتة..."
لم يكن
هناك أحد للاستماع عندما هوَت نفس الكلمات من المعالجين وطيّاري المملكة المتحدة.
-
عند سماع
صوت شبح يبكي ، خافتًا مثل الثلج المتطاير ، استدار شين بشكلٍ غريزي في اتجاهه. ما
وجده لم يكن فيلقًا منهارًا ولكن حطام مركبة ألكونوست. فكّر شين وهو يتنهد رافعًا
إصبعه عن الزناد أنه من الصعب حقًا التمييز بينهما. نظرًا لأن كلا من الفيلق والسيرين
كانا قائمين على فكرة استخدام قتلى الحرب.
بطبيعة
الحال ، فإن جهاز التعرف على الصديق والعدو في مراكب الجاغرنوتز سيحدّد ألكونوست كوحدة
ودية ، ولكن لم يكن الأمر بهذه السهولة عندما يُدمّر بشدة. انطلاقا من حقيقة أنه كان
يسمع النحيب ، فإن السيرين في الداخل لم يمت بعد. رغم ذلك هل كان لديه وقت الفراغ لإخراجها
؟
فتحَ
شين مظلّة الأندرتيكر للتأكد من عدم وجود أي فيلق يقترب حاليًا من موقعهم. ثُبتَ أن
فتح مظلة الألكونوست أمر صعب ، حيث لم تكن في مقدمة الماكينة وأعدّت لتفتح من الخلف.
إذا كان على المرء أن يعطي الأولوية لدرع الجبهة وحياة الطيار فربما كان ذلك طبيعيًا
، لكن شيئًا ما عن التصميم لم ينال قبول شين.
عند إدخال رمز المرور المشترك لحالات الطوارئ ،
قُلبت المظلة للخلف مصحوبة بصوتِ الهواء المضغوط. وداخل قمرة القيادة الضيّقة
استقبله بندقية هجومية من عيار 7.92 تابعة للمملكة المتحدة.
بعدَ لحظة من التصويب اعتذرت السيرين مخفضة
سلاحها المتهوّر.
بدَت طويلة بالنسبة لفتاة وتغنّى شعرها الأحمر
في الظلال بمشهدٍ مذهل جدًا. كان اسمها إذا لم تخنه ذاكرته ، لودميلا.
" اعتذاري ، كابتن نوزين. اعتقدتُ أنّ
لغمًا ذاتي الدفع قد تسلل إليّ. "
صحيح. نظرًا لأنّ المظلة صُممت على طولِ الدرع
الخلفي ، فسيكون للعدو القدرة على فتحها وانتهاء الأمر بهم بأخذ الطيار من الخلف.
وكانت الزوايا التي يمكن للمرء أن يصوّب فيها محدودة بسبب وضع المقعد ، ولن يكون
الشخص قادرًا على الرد على الفيلق الرشيق في الوقتِ المناسب.
" إنه إجراء وقائي طبيعي ، لا داعي للقلق
بشأنه... هل يمكنكِ التحرك؟ "
لمعت الدهشة على نظرات لودميلا إلى يد شين
الممدودة ثم ابتسمت.
" نحن السايرينات مثل التروس في الآلة.
نحن لا نطلب الإنقاذ. قد أبلغكَ سموه بهذا ، أليس كذلك؟ "
" فهمتُ أنّ الوضع كان خطيرًا للغاية بحيث
لم يكن لديكم خيار سوى التعاون مع الفيدرالية... إذا لم يكن هناك شيء آخر ، فأعتقد
أن بلدك لم يكن في وضع يسمح له بالتخلص بحرية من شيء لا يُكسر واستبداله. "
تعمّقت ابتسامة لودميلا الصامتة. ثمّ أخذ يدها النحيلة ، وسحبها من الألكونوست نصف المدمر. كانت ثقيلة حقًا ، والتمسَ البرودة من راحة يدها عند لمسها. تذكيرٌ صامت بأنّ الشخص الذي لمسه لم يكن حياً حقًا.
لاحَ على صوتِ الرثاء المجروح صبيًا صغيرًا
تبرّع بدماغه ، صوته مختلف عن صوت الفتاة أمام عيني شين. عويلٌ يرددُ برغبته في
الخلاص.
مثل الفيلق وعدد لا يحصى من السايرينات... وشبح
أخيه الذي تحرّر الآن ، ورفاقه القلائل الذين ما زالوا محاصرين من قبل الفيلق.
"…أو ربما…"
انزلق السؤال من شفتيه حتى قبل أن يدرك. سؤال
لم يفكر فيه شين نفسه.
"...الحقيقة هي أنكِ لم تريدني أن أنقذك؟
"
ربما أرادت أن تُترَك لموتها. سَعت للعودة إلى
الموت. بعد التحديق بعيونٍ واسعة في شين للحظة ، تبسّمت لودميلا بابتسامة كبيرة.
" كلامٌ فارغ. جسدي هو سيف ودرع المملكة
المتحدة."
بَلغَ لهجتها وتعبيراتها الفخرَ بثقة. ولم
يستطع شين بطبيعة الحال فهم هذه الكلمات والعواطف المُناسبة منها. باعتبارِه من
الستة وثمانون الذين بلا وطن ، ومن المحتمل أنّ بعض جنود الفيدرالية لن يوافقوا
أيضًا. ليس فقط قبول حقيقة أنها وُلدت أداة بل والاعتزاز فيها كان مفهومًا صعبًا
لفهمه.
كبرياءُ اللاإنسانية.
" إذا كُنا سنُدمّر ، فسنفعل ذلك بينما
نأخذ معنا أعداء المملكة المتحدة. ولهذا السبب اخترنا البقاء في ساحة المعركة حتى
بعد موتنا."
...ومع ذلك ، صرخَ الشبحُ بداخلها رغبةٍ مختلفة
تمامًا.
-
" يبدو أنهم اعتنوا بالأمور جيدًا. يجب أن
يتراجعوا قريبًا." قالت أنجو ، وهي تنظر حول ساحة المعركة حيث بدأت تختفي
علامات العدو. حجبت الأشجار المتداخلة رؤيتهم لساحة المعركة المجمّدة. ويبدو أنّ
هناك نهرٌ جبليٌّ كبير يتدفق من الجانب الآخر من الغابة إلى يسارهم ، حيث تردّد
صدى هدير المياه على وجهِ الجرف.
لُخصت مهمة الاستطلاع المسلحة هذه بشبكةِ مكرٍ
تهدف إلى خداع العدو. يمكن القول أن هدفهم كان كاملاً في النقطة التي اتصلوا فيها
بالعدو ودخلوا القتال ، ومعرفة أنّ الزينتور موجود هناك كانت معلومات قيمة.
" هل يوجد بقايا للعدو هنا ، وفقًا لاستطلاع النقيب نوزين؟
"
سأل داستن وهو يقود برج القوس على بعد حوالي عشرة أمتار. برزَ هو بكونه الأقل
كفاءة في السرب والمواطن الجمهوري ، وقد انضم حاليًا إلى أنجو.
على أي حال ، هزّت أنجو كتفيها. لقدرة شين
مشاركة مواقع الفيلق مع أولئك الذين يتردد رنينهم معه ، لكنها بلا معنى ما لم
يكونوا بالقربِ منه. هذا لأنّ مواقع الأشباح التي سمعوها عبر البـارا ريـد مرتبطة
فقط بوجود شين. بالإضافة إلى ذلك...
" أشعر أن هذا شيء يجب على جميع المبتدئين سماعه عاجلاً أم آجلاً ، وهو... لا يجب أن تعتمد على شين كثيرًا. صحيح أنّ قدرة شين دقيقة للغاية وهي مخيفة... لكن هذا لا يعني أنه يمكنه دائمًا تحذيرنا جميعًا في الوقت المناسب."
إذا نشأ موقفٌ ما حيث فقدنا شين... حسنًا
على أي حال ، لن يكونوا قادرين على القتال إذا اعتمدوا عليه كثيرًا. كانت ستتمكن
من إنهاء هذه الجملة مرة أخرى في قطاع الستة وثمانون ، ولكن هنا ، علقت الكلمات في
حلقها. في ذلك الوقت ، كان من المؤكد أنهم سيُعدمون في غضونِ خمس سنوات من خدمتهم.
مرة أخرى عندما حُدّد مصيرهم مسبقًا ، كان خيارهم الوحيد هو مواجهته وجهاً لوجه.
لكن الأمور اختلفت الآن. لم تعد مضطرة لقول هذه
الكلمات ولا ترغبُ بذلك. لم تكن تريد أن تتخيل موت رفيقها قليل الكلام خاصة بسبب
عدد المرات التي بدا أنه يتحداها ، لأن الكلمات المنطوقة لديها القدرة على أن تصبح
حقيقة واقعة. كان هذا شيئًا سمعته من كاي ، وهي رفيقة من الجناح الأول لقطاع الستة
وثمانون ، والتي استُوعبت شبكتها العصبية وأصبحت خروفًا سوداء.
صمتَ داستن ثم أومأ برأسه متأملاً ما قالته
أنجو للتو.
"…أنتِ على حق. أراهن أنّ الكابتن لديه صعوبة أيضًا ، ونحن
نعتمد عليه كثيرًا."
في لحظةٍ عابرة اتسعت عينا أنجو بدهشة ، ثم
ابتسمت. كان داستن طالبًا ممتازًا طُلب منه إلقاء خطاب في مهرجان تأسيس الجمهورية.
إنه في الواقع سريع التعلم ودائما ما يفكر عما تعلمه. ومع ذلك قلقه هو المواطن
الجمهوري بشأن الستة وثمانون مثل شين أمرٌ مدهش.
" صحيح. دعونا نحاول ألا نثقله كثيرًا...
مم..."
وقتئذ قطعت محادثتها عند شعورها بشيءٍ ما
أنذرها بالحذر. رأت على بُعد نظرها شيء له ظلال عبر الأشجار. شيء ما أسفل الجرف...
هل كان حيوانًا من الغابة أم ربما…؟
" سأذهب."
" حسنًا... كن حذرًا."
اندفع القوسُ إلى الأمامِ في السعي إليه.
حذِرًا من أي إطلاق نار قد يأتي في طريقه وناظرًا بتركيزٍ إلى الأمام.
" ـــــ ماذا…؟ "
" الملازم ثاني؟ أبلغ بدقّة ــــ "
" إنه ليس فيلق. لا يوجد شيء من هذا القبيل هنا. لكن…"
نَقل من خلال ارتباط البيانات خلاصة المستشعر
البصري للقوس. وتلقائيًا مع تحديث داستن عليها كبرت اللقطات على الشاشة. كان
منحدرٌ مرعب في الارتفاع. يتدفق النهر من تحته ، وترتفع الأوجه الصخرية الخشنة
المنحوتة بواسطة الأنهار الجليدية في العصور القديمة بشكلٍ مهيب من كلا الجانبين.
وتناثر بالقربِ من وجه الجرف...
" قذيفة…؟ "
ظهرت قذائفُ دبابات من عيار 120 ملم و 155 ملم.
وفقط القيعان الدائرية للقذائف تطل من الخارج ، مرتبة في صفوفٍ متباعدة ومدفونة في
الأرض. بما أنهم ما زالوا يحملون البارود ، لم يُطلق النار عليهم هنا كجزءٍ من
اختبارِ إطلاق النار. شخص ما قد يكون الفيلق قد دفنها هنا لغرضٍ غامض. لكن في
اللحظة التي أدركت فيها أن هناك مادة تشبه الخيط متصلة بالصمام ، وقفَ شعر أنجو
كالصعقة. لقد كان هذا…
" الملازم الثاني جيجر! تراجع! كولونيل ،
شين ، احترسوا! "
أعادت الاتصال بـالبـارا ريـد وصرخت بعد فوات
الأوان. تحرك شيء ما في مجال رؤية القوس. اكتشفَ لغم ذاتي الدفع الذي يزحف عبر
فجوة في وجهٍ صخري غير مستوي وجود الجاغرنوت ، ووصل إلى فتيل البارود المبطن
ممسكًا إياه بالقرب من صندوقه المحشو بالمتفجرات.
" هناك فخٌ في طريق عودتناــــ"
لحظتئذ دمّر اللغم ذاتي الدفع نفسه ذاتيًا ،
وأطلق موجات اهتزازية ووميضًا يعمي جعلَ النيران تتسابق على طول السلك وإلى فتيل
القذائف مما أدى إلى اشتعالها وتفجيرها الواحدة تلو الأخرى. ثمّ انهارت الأرض
المتجمدة للغابة في غضونِ ثوانٍ.
*
* *
يبدو أنّ الماء جرفهما بعيدًا لمسافة طويلة.
عندما فتحا قمرة مركباتهما كانت المياه قد غمرت
نصف الجاغرنوت وقد تنهّدت أنجو لتمكنهما بعدها بطريقة ما من الزحفِ إلى ساحلٍ
مليءٍ بالأشجار المتساقطة والرواسب.
"...هل تأذيت ، الملازم الثاني؟ "
" أنا بخير ، بطريقة أو بأخرى."
كان من الجيد قيادتهم لريغينليفز. على عكس
تابوت الجمهورية المصمم لانعدام رفاهية الطيار ومصنوع من الألمنيوم مع فجوة بين
المظلة والإطار ، كما لو أنهم سخروا من فكرة العزل المائي. لو كانوا يقودون جاغرنوتز
الجمهورية ، لكانوا قد غرقوا أو تجمدوا حتى الموت الآن.
ومع ذلك ، لم يجفوا تمامًا عندما زحفوا خارج
الماء. كانت الشمس قد غابت وهم فاقدون الوعي ، وعلى الرغم من توقف تساقط الثلوج ،
استمرّ الهواء البارد بلسعهم. وقفت أنجو تنظر حولها بينما تمسح على شعرها الذي كان
باردًا جدًا لدرجة أنه قد يتجمد. كان عليهم أن يجدوا مكانًا ما في أي مكان
للاحتماء من الريح.
بعد أن عثروا على كوخٍ خشبي صغير يقع على ضفاف
النهر في أسفل وادٍ شديد الانحدار ومحاط بالمنحدرات ، قرروا اللجوء هناك. ربما كان
نزلٌ لصيد أو شيء من هذا القبيل. مكان أُعدّ لقضاء عدة أيام في جبال وحقول المملكة
المتحدة في فصل الشتاء.
طلّ الداخلُ بغرفة مفردة رثة ولكن جيدة التجهيز
مع مدفأة في نهايتها. لذا كانوا محظوظين.
" سننتظر هنا وصول المساعدات؟ "
" ليس لدينا الكثير من الخيارات. لقد نفدت
طاقة الجاغرنوتز ، ولا يمكننا استخدام البـارا ريـد في الوقت الحالي."
ملاحظة | مجموعة شين لا زالت أحيانًا تطلق اسم
الجاغرنوت على الريغنليف ولكنه ليس جاغرنوت الجمهورية.
يعود عدم تمكنهم من استخدامه لكونه جهاز معدني
تأثّر بانخفاض درجة الحرارة إلى ما دون الصفر. لمسهم إيّاه بتهور قد يسبب قضمة
الصقيع لأطرافهم.
" يمكننا درء الرياح والثلوج هنا. لا
أعتقد أننا سنتجمّد حتى الموت... ومع ذلك... "
التفكير في ذلك جعلها تزفرُ أنفاسًا مخنوقة.
احتوت مقصورات القيادة الخاصة بهم على بنادق هجومية قابلة للطي ، وقد أحضروها مع
المسدسات في حافظاتهم.
"...بغض النظر عن الألغام ذاتية الدفع ،
إذا ظهر أي نوع آخر من الفيلق ، فقد نكون في مأزق."
-
" لقد تقطعت بهم السبل."
" يبدو ذلك."
رغم الصيف إلا أنّه كان جبلًا ثلجيًا ، وكانوا
عددًا قليلاً من الأشخاص المعزولين. ليس شين فحسب ، بل حتى فيكا الذي ظل مثل
العادة هادئًا في أي موقف لدرجة أنه يشعر بالغرور ، وامتلكَ تعبير حاد على وجهه.
تقابلوا في غرفة اجتماعات قلعة قاعدة ريفيتش.
لقد أدركوا أن أنجو وداستن قد حوصروا في الانهيار الأرضي ، لكن أجبروا على التراجع
بسبب تناقص الإمدادات وخوفًا من هجوم مضاد من أراضي الفيلق. ثمّ استدعوا لهذا
الاجتماع الطارئ بمجرد عودتهم إلى القاعدة.
كان رايدن وثيو وكورينا لا يزالون يرتدون
بدلاتهم المدرعة مستعدين للانطلاق والبحث عنهم بمجرد حصول وحداتهم على الحدّ
الأدنى من الوقود والإمدادات. بينما لاحَ تعبير
لينا القلق والمظهر الحاد في عيون فيكا لأنهم أدركوا نطاق المنطقة من
التضاريس. لقد سقطوا في وادٍ عميق بحيث لم يتمكنوا من التقاط إشارات الجاغرنوتز
ولا الاتصال بالبـارا ريـد. لم تكن هناك طريقة للتأكد من بقائهما على قيد الحياة
في الوقت الحالي.
بنظرةِ سخط نهضت فريدريكا على قدميها ساخرة.
" يبدو أنكم نسيتم شيئًا مهمًا ، على ما
أعتقد. في أوقاتٍ كهذه أتباهى بقيمتي الحقيقية."
" قدرتكِ تسمح لكِ برؤية مكانهم! "
تسابقت أحرف لينا على الخروج عندما أدركت.
" بالفعل. اتركِ الأمر لي يا ميليزي.
سأجدُ موقع أنجو وداستن في غضونِ لحظات."
نفخت فريدريكا صدرها الضئيل قدر استطاعتها ثمّ
فتحت عينيها باتّساع.
لكن.
" هناك ، وجدتهم! هذا…....…"
صمتت لفترة طويلة.
"…..……أين هذا؟! "
اجتاحَ لينا التي انتظرت بفارغ الصبر إنهاء
فريدريكا لبيانها الإرهاق حتى كادت أن تسقط. بينما سألَ شين بعد أنفاسٍ صاخبة كما
لو كان يقول أنه توقع فعلتها ، " فريدريكا ، أخبرينا الآن بما يمكنكِ رؤيته
من حولهم."
" همم…"
نظرت فريدريكا حولها بجدّية مع استدارة رأسها
الصغير ذهابًا وإيابا وعيناها القرمزيتان تتوهّج بضعف.
"...أرى الثلج! والجبال أيضًا! "
نعم. بعد كل شيء جميعُ الجبال ثلجية.
" هل يمكنكِ رؤية أي شيء بارز من شأنه أن
يكون علامة فارقة؟ "
" همم ، آه ، إنهم في كوخٍ قديم من نوع
ما... هناك شجرة كبيرة على يمينه! "
نعم. بطبيعة الحال سيكون هناك أيضًا.
من قولها قد يكون الكوخ على الأرجح نوعًا من
بيوت الصيد ، ولكن نظرًا لوجود الكثير مثله هنا وهناك ؛ لم يكن دليلًا كبيرًا.
" هل يمكنكِ رؤية النجوم؟ "
" يمكنني ، ولكن ، حسنًا ، لا يساعدني
حقًا في معرفة موقعهم..."
الأبعاد.
" أعتقدُ أنه لا يمكنكِ التعرف على نجم الشمال حقًا... لكن هل يمكنكِ العثور عليه إذا شرحته لكِ ؟ "
" إنه... حسنًا... هناك عدد كبير جدًا من
النجوم ، لا يمكنني تحديد أي منها..."
إذن أنتِ عديمة الفائدة عمليًا.
على الرغم من أنه من الطبيعي عدم معرفتها ، فكّر
شين في صعوبة التحديد رغم حصوله على خبرة القتال في الجبال والثلوج ، وفي الكمائن
وحتى رغم انفصاله عن المجموعة وانقطع به السبل عنهم كما في الماضي. وهنا على جبلٍ
ثلجي يظل الحصول على الاتجاهات خاصتك شبه مستحيل.
بالمناسبة ، سقط فيكا على الطاولة مرتعشًا
باهتزاز جسده لفترة من الوقت حتى الآن. كان على ما يبدو يضحك بشدة لدرجة أنه لم
يستطع التحدث.
" عُلم. أعتقد أنه سيتعين علينا البحث
عنهم بأنفسنا ، بالطريقة القديمة."
" اعتذاري..." أسقطت فريدريكا كتفيها
حزينة.
ربتَ شين على رأسها في إيماءة غير واعية
تمامًا.
" لقد أخبرتنا أنهما بخير وأنكِ رأيتِ
النجوم... بعبارة أخرى ، إنه مكان مشرق في الخارج. فلو كان هناك عاصفة ثلجية من
حولهم ، لن نجدهم أبدًا."
"…صحيح."
أخيرًا تعافى فيكا من نوبة ضحكه ، ووقفَ على
قدميه وعيناه لا تزالان مملوءتان بالدموع.
" ومع ذلك ، فإنّ الليالي التي يكون فيها
الطقس ساطعًا تكون في الواقع أكثر برودة. سيكونون في ورطة إذا لم نسرع... سنرسل
أشخاصًا من جانبنا أيضًا. علينا أن نجدهم بأسرع ما يمكن."
-
كانا قد سحبا مجموعات النجاة من قمرة القيادة
الخاصة بهما إلى النزل ، مستخدمين أعواد الثقاب المقاومة للماء والوقود الصلب
بالداخل لإضاءة المدفأة ، ثمّ لم يكن هناك ما يفعلونه سوى الانتظار. استكانت
للحظات حتى تخلع الجزءُ العلوي من بدلة الطيران المبللة وغطّت نفسها ببطانية ، ثمّ
ألقت نظراتها على النار المُشتعلة التي لم تكبر بعد.
إنّ الضياعَ والحصار في ساحة المعركة أمرٌ شائع
في قطاع الستة وثمانون ، وعلى الرغم من سرعة العثور على مكانٍ تلجأ إليه ، لم تكن
مذعورة أو قلقة تمامًا. كانت فقط...
تجهّمت تقاسيمها وزمّت شفتيها معًا. آنذاك...
كان هو بجانبها دائمًا منذ السرب الأول الذي عُيّن فيه. والآن ليس هنا. لم يكن في
أي مكان.
"...الملازمة الثانية إيما؟ "
" لا شيء... أوه ، يمكنكَ مناداتي أنجو.
ألسنا في نفس العمر؟ "
لقد سبقها داستن في خلعِ قميصه وتغطية نفسه
ببطانية أيضًا. رأت في عيناه الفضّيتان انعكاس اللهب الخافت. عيون الألبا الفضية.
لو امتلكت هذا اللون فقط... لما اضطرت هي ووالدتها إلى إرسالهما إلى معسكرات
الاعتقال. راودها هذا الفكر في كثيرٍ من الأحيان عندما تنظرُ إلى داستن أو لينا.
لم تتمنى العيش داخل الجدران كخنزيرٍ أبيض ،
والرفاق الذين قابلتهم في قطاع الستة وثمانون لا يمكن تعويضهم. ومع ذلك ، لم تستطع
جعل ذكرى نقلها إلى معسكرات الاعتقال وإلى قطاع الستة وثمانون... شيئًا جيدًا.
اتّسمت والدتها بصفاتٍ تشبه الأدولوريا ، وقد
حاولت بجهدٍ حماية ابنتها التي أيضًا لا يمكن تمييزها عن هذا العرق. لكن انتهى
مطافها بالموت وصراع المرض الذي دمّرها حتى أمسَت امرأة أشبه بقطعة قماش ممزقة.
والكلام الذي بصقه الرجل الذي كان والدها.
الكلمات التي لم تتلاشى حتى يومنا هذا.
" أيمكنني السؤال؟ "
بلحظةٍ انزلقَ السؤال من شفتيها بشكلٍ لا إرادي
دون انتظاره.
" لماذا تطوعتَ لهذه الوحدة؟ "
وجّه صوب نظراتها عينيه الفضيتين بفضول.
" لقد أخبرتكِ بالفعل سببي. على الجمهورية
أن تغسلَ خطاياها."
" لا أؤمن أنّ هذا هو السبب الوحيد."
كان بحوزته كل الأسباب في العالم لعدم القتال.
"..."
بلغَ الصمت داستن محدّقًا في النار. وحتى اللحظة
التي أوشكت أنجو على نسيانِ السؤال تحدّث هو.
" أنا ألبا ، لكني ولدت في
الإمبراطورية."
اتّسعت عيون أنجو بدهشة. بينما أبقى داستن بصره
على النار ، ولم يلتفت لينظر إليها.
"
انتقلتُ مع والدي إلى الجمهورية عندما كنتُ صغيرًا جدًا على تذكّرِ ذلك ، ثم حصلنا
على الجنسية ، لذلك لا أشعر أنني كنت جزءًا من الإمبراطورية. لكني في الأصل
إمبراطوريًا."
-
وتابع أثر الذكرى التي انساقت إلى لسانه "
المكان الذي عشت فيه كان مدينة جديدة للمهاجرين من الجيل الأول. كنت الألبا الوحيد
في مدرستي الابتدائية أيضًا. وبعد ذلك... بدأت الحرب مع الفيلق ، وعُيّن الجميع
باستثنائي أنا وعائلتي في معسكرات الاعتقال."
علمَ
أنّ كل شيء قد أصبح صاخبًا في الخارج ، لكن والدته التي رأت ما حدث في تلك الليلة
، أخبرته أنه يجب ألا ينظر إلى الخارج بغض النظر عما سيحدث في صباح اليوم التالي.
وبعد أن استيقظ للذهابِ إلى المدرسة كالمعتاد... وجد نفسه الطالب الوحيد المتبقي.
" لا معنى له. لا معنى إطلاقًا. انظري إلى
الكابتن نوزين ، والداه كانا من الإمبراطورية وفوق ذلك سليلٌ من عرقهم ، وعلى عكسي
فقد ولد في الجمهورية... لكنهم أرسلوه إلى معسكر الاعتقال وليس أنا. كان يجب أن
يكون العكس. منطقهم كله أنهم طَردوا الأشخاص الذين أتوا من الإمبراطورية ، لكن ذلك
مجرّد تظاهر شنيع المصداقية. وكان هذا صحيحًا تمامًا بالنسبة للجميع من المدرسة.
لم يكن من المنطقي أنني كنت الوحيد الذي بقي ، وأنني كنت الوحيد الذي لجأ إلى داخل
الجدران."
كل ذلك لأن داستن وعائلته كانوا ألبا.
" لذلك لم تكن هذه مشكلة شخص آخر بالنسبة
لي. لطالما آمنت أنه يجب إيقافهم... لكن الأوان قد فات ، ولم أستطع فعل أي شيء في
النهاية."
إلى متى سيستمر هذا؟!
هذه الكلمات التي صرخَ بها في ذلك اليوم ، خلال
خطاب التفوق في الاحتفال بتأسيس الجمهورية. عشية العيد التي لم يرد أي من
المواطنين على كلماته. في اليوم الذي هاجم فيه الفيلق وكانت الجمهورية قد هلكت.
"…فهمت."
ضمّت أنجو رُكبتيها ناحية صدرها لتدفن وجهها ،
ولم تقل شيئًا أكثر من ذلك. وقد شعر داستن أنّ هذا هو كل ما يمكن أن تقوله.
تدخّل الصمت مجددًا على كوخِ الصيدِ الصغير
الموجود في زاوية ساحة المعركة ، وكان أكثر حرجًا من ذي قبل. بالمناسبة ، نظرًا
لأنّ الموقد استغرق وقتًا حتى يضيء بشكلٍ صحيح ، ظلّ كلاهما يشعران بلسعة الهواء
البارد. عند سماعه لصوت العطس الضعيف لمن بجواره ، حوّل داستن بصره ليجد رفيقته
تفرك كتفيها. فنزع بطانيته وسلّمها لها.
" هنا."
ببساطة رمشَت أنجو بذهول وأثناء حركتها دفعها
إليها.
" لديكِ اثنان منهم الآن. سيكون الأمر
أفضل بهذه الطريقة... لا ينبغي للمرأة أن تدع جسدها يبرد."
"…شكرًا لك."
لكنها توقفت للحظة طويلة لأنّ شعرها الطويل
الفضي المُزرق كان لا يزال مبللًا وسيُبلل البطانية إذا لبستها كما هي. ربطت شعرها
ولفته بإحكام لمنعه من النزولِ إلى أسفل. أثناء رفع كلتا يديها انزلقت بطانيتها
وياقة قميصها الداخلي قليلاً.
نظرَ داستن بعيدًا على عجلٍ بينما بياضُ بشرتها
المتألق حتى في ظلام الليل كان قد دخلَ مجال رؤيته ، والتقطَ أنفاسه عندما استرقَ
أيضًا لمحة عن الندبة على ظهرها.
قرأَ ابنة عاهرة.
سرحَ وعيه خلال طرحه السؤال وفات الأوان لقمعه.
" ألا تريدين إزالتها؟ "
كان للجمهورية علاجاتٌ متقدمة إلى حدٍّ ما
لإزالة الندوب ، وكذلك تملك الفيدرالية. قد لا يكون من الممكن محوها تمامًا ، ولكن
يمكن على الأقل جعلها أقل وضوحًا.
تتبّعت أنجو موضع نظر داستن وابتسمت بخفوت.
ابتسامة مُزعجة بعض الشيء.
" أوه. أنا آسفةــــ لا شكّ أنها
بشعة."
" آه ، لا ، الأمر ليس..."
حاول البحث عن طريقة أكثر دقة لطرح الموضوع.
وفتح فمه وهو لا يزال يفكر ولكنه لم يستطع التوصل إلى أي شيء ، وفي النهاية قال
ببساطة ما كان يدور في ذهنه بالضبط.
" يبدو مؤلمًا."
فجأة تغيّر تعبير أنجو ليصبح فارغًا.
"
أعني ، هي ليست ندبة لها قيمة عاطفية. لذا... لستِ مُجبرة على حملها."
رمشَت
أنجو عدة مرات أثر كلماته الغير متوقعة وابتسمت بخفّة.
"...أنتَ
على حق."
على
سبيل المثال هي مختلفة تمامًا عن الندبة المحفورة في عنق شين ، الندبة التي ألحقها
أخاه وكانت مهمة وثمينة لدرجة أنه سيحملها حتى بعد موته ، رغم أنه أخفاها حتى لا
يلمس أحد أثر تلك الخطيئة...
"
حسنًا. ربما حان الوقت لإزالتها. أودُّ أن أرتدي فساتين مفتوحة الظهر."
لكن
هذا لا يعني أنها تودّ قص شعرها لذلك.
"
وأنا أريد نوعًا ما أن أحاول ارتداء البيكيني أيضًا."
"
بيكيني..."
اشتدّ
تعبير داستن كما لو أنه قد ابتلع شيئًا صلبًا.
"
هل هناك ، امم... شخصٌ ترغبين في أن يراكِ بالبيكيني؟ أو…"
وضع
سماع هذا السؤال الخجول أنجو في مزاجٍ شرير.
"
لماذا تسأل…؟ ماذا يا داستن ، أتُحبّني؟ "
"
هذـــ"
قمعَ
داستن ما كان على وشكِ قوله للحظة ثمّ بصقهم دفعة واحدة ، نصفهم في حالةِ يأس.
"
نـ- نعم ، أنا أفعل! ألديكِ مشكلة مع هذا؟! "
رغم نيّة
أنجو فقط في مضايقته لكن تأكيد اعترافه جعل عيناها تتسمّر بالدهشة.
"هاه…؟
"
"
أعني ، بالطبع سأفعل. أنتِ جميلة ، و... وتبحثين عني دائمًا على الرغم من أنني
ألبا. سيكون الأمر أغرب إذا لم أبدأ في الإعجابِ بك."
مع
كل كلمة غادرت شفتيه غرقت أنجو في الاحمرار أكثر. والتفّت بعيدًا هاربة من النظرِ
إليه مباشرة ، بينما واصل داستن اعترافه الشجاع.
فقط
قل كل شيء. اغتنم هذه الفرصة وأخبرها بكل شيء ، اللعنة!
"
منذ اللحظة التي رأيتكِ فيها لأوّلِ مرة ، أُعجبتُ بلون عيناكِ ، وإذا أردتِ
ارتداء فستانًا فيجب أن يتناسب مع لونهما."
أحاطت
أنجو رأسها وهي تتخبّط بالحمرة على وجنتيها بأسلوبٍ عصبي.
"
ام... أنا ، آه ، يُشرفني...؟ "
لسببٍ
ما ، جاء ردها على شكل سؤال بدا فيه الانزعاج. ودفنت وجهها في ركبتيها لإخفاء
الإحراج المُلتهب .
"
لكنّي... لا أستطيع... لا يمكنني الوقوع في الحبِّ بعد الآن."
لاحَ
توبيخٌ لنفسها في نبرتها جعلَ الخوف يتسلّل إلى داستن ، كأنّه قد غُمر بماءٍ بارد.
"…لماذا؟
"
"
لقد أحببتُ شخصًا ذات مرة."
"
ننغ …"
محبوب.
وفعلٌ ماضي. أين كانت أنجو في قطاع الستة وثمانون ، مما يعني أنّه...
"
لقد كان شخصًا لطيفًا. لقد أحببته ، حتى النهاية... وبغض النظر عمّن سأقع في حبه ،
أعلم أنني لن أنساه أبدًا. سأستمر في مقارنته بالآخرين. وسيكون هذا خطأ ، لذلك لا
يمكنني الوقوع في حب أي شخص منذ ذلك الوقت."
ألقى
داستن أنظاره إلى الموقد المشتعل مرة أخرى.
"أنا...
أعتقد أنّ هذا خطأ."
إذا
لم يكن هناك شيء آخر ، فهذا مُؤكّد.
"
من الطبيعي عدم نسيانه. خاصة إذا كان رجلاً جيدًا. وإذا كنتِ لا تستطيعين النسيان
، فمن الطبيعي أيضًا الاستمرار في مقارنته مع الآخرين. ولكن أن لا تبدئي من جديد
مع أحد لأنه لا يمكنكِ نسيانه... لأنكِ ستستمرين في مقارنته مع الذي ستحبّينه...
هذا خطأ. فعلكِ لذلك سوف... يحرمُ السعادة منكِ للأبد."
شعرَ
داستن من حافّة مجال رؤيته بعينيها اللازورديتين المثبتتين عليه ، ثمّ واصل
محدّقًا بالنارِ عمدًا. إذا لم تستطع الرد على مشاعره ، فسيكون هذا حالٌ لا مفرّ
منه. لكن إلزام نفسها بعدمِ حبِّ شخص ما مرة أخرى ، عدم معرفة الفرح مجددًا ،
سيكون أمرًا فظيعًا.
"
لذا... حتى لو كنتِ لا تستطيعين نسيانه... حتى لو استمرّ عقلكِ بتذكره... فلا بأس
بالعثور على أشياءٍ جديدة تحبيها... وعلى أقل تقدير ، لم أكن لأتوقع منكِ أبدًا أن
تنسيه..."
ثمّ
خطفَ بصره نحو عيونها السماويّة.
قال
شين: "...جئتُ لأخذكم يا رفاق. ولكن يبدو أنني أقوم بمقاطعة شيء ما."
هرولَ
داستن وأنجو مبتعدين عن بعضهما البعض بفزعٍ جعلَ داستن يضرب رأسه بقوّة على الرفّ
المعلّق بالحائط ، بينما لفّت أنجو البطانيات حول جسدها بحرجٍ واستدارت نحوه تنظر
إليه.
"
ش- شين ؟!"
وقف
شين عند مدخل النزل بنظرةٍ شديدة البرودة تعتلي تقاسيمه الحادّة لم تراها أنجو
طوال السنوات التي عرفته فيها. اعتادَ دائمًا على المشي دون إصدار أي صوت. لاحظ
هذا الجزء الصغير من أفكارِ أنجو الدوّارة. وعلى ما يبدو أيضًا امتدت موهبته إلى
عدم إصدار الأصوات الأخرى التي تحدث مثلًا خلال فتح الأبواب.
"
أنتما الاثنان تبدوان على ما يرام. آسفٌ لتخريب مزاجكما."
" م- منذ متى وأنتَ هنا؟! "
توقف
شين للتفكير قبل الرد.
"
بيكيني."
"
لقد كنتَ هنا لوقتٍ طويل! لااااااااااا! "
صرخت
أنجو وهي تحتضن رأسها في حالةٍ من اليأس. وهو قد ترك أنجو تتألم واستدار نحو الباب
ناظرًا للأعلى. أينَ وقفَ جاغرنوته على قمّة الجرف ومن هناك استخدمَ سلكًا للنزول.
"
فايدو ، يبدو أنهم لا يحتاجون إلى مساعدتنا. اسحبه. "
"
بي…؟!"
"
آه ، انتظر ، انتظر ، انتظر ، شين! لا تذهب! ساعدنا! "
تزامن
صوت فايدو في نفس الوقت الذي توسلت فيه أنجو بشدة لبقائه. كانوا لا يزالون في
المنطقة المتنازع عليها حيث لا شكّ بوجود الفيلق ، ومن المحتمل أن يكون أي شخص
غاضبًا بعض الشيء للعثور على أصدقائه الذين بحث عنهم خلال الليل البارد والمظلم
بأعصابٍ مشدودة ثمّ وجدهم يستمتعون برومانسيةٍ خالية من الهموم.
لحسن
الحظ كان شين يمزح فقط ، وبعد أن أشار إلى فيدو بيده ، أسقط المأمور شيئًا ، ثم
ألقاه شين في اتجاه أنجو: زيٌّ عسكري مُغطى بالبلاستيك المقاوم للماء. ليس من
الغريب لأي شخص آخر أن يكون قلقًا على الاثنان المنكمشين في البرد ومبللين.
"
شكرًا... آسفة."
"
لا بأس."
استمرّ
فايدو بإسقاط زيٍّ آخر مغلّف مسبقًا ، ولكن عندما وصل داستن لاستلامه من شين ، عاد
للوراء مُتعثرًا أثر اصطدام الزيّ على وجهه بقسوة. كانت حزمة الملابس صعبة الرمي
ومع ذلك دفعها شين بقوّة مع عدم تحركها جيدًا في الهواء واصطدمت بلا رحمة على
المقابل.
اشتكى
داستن عندما رفع صدره المضروب.
"
مهلًا ، ما مُبرّرك ؟! "
"
إنّ هذا من دايا وليس منّي. إذا جعلتها تبكي ، فسوف أطعمكَ إلى الفيلق أين
يتواجد."
هذا
الرد ، بقدر ما جعله شين يبدو محايدًا ، جعل داستن يبتلع أي كلمات احتجاج قد تكون
لديه. وهذه هي المرة الأولى التي يسمع فيها الاسم. لكن بالحكمِ على الموقف فقد عرف
عمّن يتحدث شين.
"ــــ
حسنًا."
في
الجهة الأخرى عادت أنجو لتعاني من حُمرة وجهها المُحرج من حديثهما المتبادل.
" ا- انتظر ، شين... أنا – أنا لم أنسَ دايا
أو أي شيء من ما حدث ، ولم أشعر قط أنني ، امم ، قد وقعتُ في حبِّ داستن ، لذا ،
ام..."
ربما
لم يكن يعرفها منذ فترة طويلة مثل دايا ، لكن شين كان لا يزال يقضي وقتًا طويلاً
مع أنجو. هو مثل عائلتها بالنسبة لها. وبينما لم تكن مهتمة حقًا بما كان يعتقده في
الوضع الحالي... لم تكن تريده أيضًا أن يعتقد أنها منحلّة أو متقلبة.
عندما
أصيبت أنجو بالذعر الشديد ، هز شين كتفه واستدار.
"
أنا لا أعرف شيئًا عن داستن ، وهذا ليس أمرًا نتحدث عنه عندما يكون حاضرًا
لسماعه... لكن مضى عامين منذ وفاة دايا. لا أعتقد أنه كان يريدكِ أن تبقي مقيدة
بالسلاسلِ هكذا."
هذه
الكلمات جعلت أنجو تبتسم ابتسامة دامعة. هو دائمًا متفائلٌ جدًا ، ولطيفُ القلب...
وطيبٌ جدًا.
"…أنتَ
مُحق. ربما لم يكن يريد ، لكن... لكن...
…لا
أستطيع. ليس بعد."
همست
بهذه الكلمات القليلة الأخيرة لنفسها وهرولت الدموع على خدها ، فأدار شين ظهره
وأعطاها داستن ما يمكن أن يحمله من خصوصيةٍ قليلة.
-
بالمناسبة
، كان شين قد أبقى شبكته اللاسلكية قيد التشغيل طوال الوقت ، لذلك سمع كل من كان
في الاتصال معه محادثة الاثنين التي بدأت من جزء البيكيني. بعد عودتهم إلى القاعدة
، تعرّض داستن لتدفقٍ لا نهائي من المضايقات من قبلِ رايدن وثيو وكورينا وشيدن.
-
"...استعدنا
ساحرة الثلج والقوس للتوّ أيضًا." قال فيكا ، وهو ينقل تقريرًا قد تلقاه منذ
لحظات عبر البـارا ريـد من فريق الاسترداد.
"
نتيجة للصيانة المطلوبة لـريغينليفز المرسلة للبحث عنهما ، من المحتمل أن تتأخر
عملية جبـل التنيـن فانـغ بعد ثلاثة أيام من الآن لمدة ساعتين إلى ثلاث
ساعات."
تنهدت
لينا بارتياح.
"…شكرًا
للرّب. لكن أنا آسفة... "
"
لا تدعِ هذا يزعجك. العملية مخطط لها لمدة ثلاثة أيام من الآن. من ساعتين إلى ثلاث
ساعات ضمن هامش الخطأ مقبول... والآن بعد أن عادوا ، علمنا شيئًا عن فخّ الانهيار
الأرضي. أثر الحدث أرسلنا صفارات الإنذار للتحقيق ، ومن الواضح أن الفيلق قد
أعدّهم في كل طريق ممكن داخل المناطق المتنازع عليها. اثنان منهم على طول الطريق
الذي كانت ستسلكه حزمة الضربات المتنقلة خلال العملية."
وقتئذ تصلّب تعبيرُ لينا. في حال لم يلاحظوا ذلك ، لكان مسار التراجع للوحدة بأكملها مقطوعًا. على عكس اللغم العادي ، فهو سيء من حيث أنه لا يتم تنشيطه تلقائيًا مع حساسية الضغط أو الصوت أو اكتشاف الاهتزاز. سيكون من الصعب العثور عليهم دون تشغيله. وكان من الصعب اكتشاف هذه القنابل بفضل كونها مخبأة تحت الصخور المتجمدة السميكة ، وبهدف تدمير ليس فيلدري ß نفسها فقط ولكن التضاريس. العيب الوحيد في المصيدة هو أنه يتطلب لغمًا ذاتي الدفع لتشغيله ، ولكن سهّل وجود هذا أيضًا سرعت الزينتور في نشرهم دون أن يلاحظهم أحد.
"
سيكون حفرهم جميعًا أمرًا صعبًا نظرًا لمقدار الوقت المتاح لدينا ، لذلك في الوقت
الحالي ، سنقوم بإزالة الخيوط والصمامات وتغطية المصيدة بالكامل بالراتنج مثبط
للهب. إنه مجرد إجراء مؤقت ، ولكن يجب أن يستمر طوال مدة العملية."
"...أليس
هذا غريبًا؟ "
تألقت
عيون فيكا البنفسجية على كلام لينا الحذر.
"
نعم هو كذلك."
"
هذه مناطق متنازع عليها حيث تصطدم فيها قوات المملكة المتحدة والفيلق. من الممكن
إنشاء مصائد على طول جميع الطرق التي من المحتمل أن يمر بها فيلدري .ßلكن خلال معركة اليوم ، لم يطلق الفخ حتى
لاحظته الملازمة الثانية إيما. مما يعني... "
لم
يستخدموا تلك الفخاخ للاضطراب عندما دخلت باروشكا ماتوشكا والجاغرنوتز وتراجعوا
عبر تلك الطرق... لم تكن هذه الفخاخ نُصبت للدفاع عن المنطقة.
كان
الأمر كما لو...
"...كما
لو أنّ هذا كان يهدف إلى إغراء قواتنا في عمقِ المناطق الواقعة تحت سيطرتهم
ومحاصرتنا خلف خطوط العدو."
" وربما يكون الطقس البارد باستخدام الآينتاكسفليكا جزءًا من تلك الخطة."
"…إنه
ممكن. مع قيامهم بخنقنا ببطء بهذه الطريقة ، لن يكون أمام جيش المملكة المتحدة
خيار سوى شن هجوم مضاد عاجلاً أم آجلاً. وسنرسل نخبًا للقيام بذلك أيضًا. الآن بعد
أن أصبح لدى الفيلق رؤوس كافية لوحداتهم القياسية ، سيبدؤون في البحثِ عن فريسةٍ
أفضل."
ثم
صمت فيكا للحظة قبل أن يهز رأسه برفق.
"ـــــ
نحن بحاجةٍ إلى بعض الاستعدادات. سأعزز قواتنا الاحتياطية المتبقية ، فقط في حالة
حدوث السيناريو الأسوأ. بهذه الطريقة سيكون لدينا سرب ما لإرسالهم لإنقاذ الجنود
المحاصرين في ساحة المعركة."
* * *
يجب
أن يكون الآن معتادًا ولكنه وجد نفسه يجمع شجاعة أكثر من طبيعته. ثمّ اتّصل عبر
البـارا ريـد ونبسَ بجملةٍ واحدة.
"
لينا ، أيمكنكِ الخروج معي قليلاً؟ "
حاول
بلا وعيٍ منه دفن القلق الخجول في صوته وتظاهرَ بنبرته الاعتيادية ، ناهيك عن سبب
فعله لهذا.
بُني
بُرج المراقبة في قاعدة قلعة ريفيتش على جبلٍ صخري يدعم المظلة التي تغطّي
القاعدة. واحتوى على درجٍ حلزونيّ شديد الانحدار باتجاهِ عقارب الساعة ، كان
الصعود فيه إلى المظلة رحلة طويلة ، أين هدفت كمرصدٍ لتتبّع تحركات العدو. وقد
أعطى الوقوف على قمة أعلى قاعدة في المنطقة انطباعًا بأنهم يجلسون على ظهرِ
البجعة.
اصطفّت
المدافع المضادة للطائرات والمستشعرات المضادة لها على محيط الأجنحة ، مما أدى إلى
قطعِ الرؤية عن سماء الليل. ومن هذه البقعة المرتفعة مسافة عدة مئات الأمتار من
سطح الأرض ، لم تسمح للمرء برؤية الأرض ما لم يكن يقف على حافة المظلة ذاتها.
انتظرها
شين هناك كأنّه يطفو في سماءِ الليل ، مرتديًا معطف الترنش الكلاسيكي الخاص
بالفيدرالية. ربّما الجو في أواخر الربيع لكنه احتفظ بساحة معركة ثلجيّة. وهذا
المكان عاصفٌ شديد البرودة بالفعل.
"
آووف..."
في
لحظةِ إطلاقه لصيحةٍ صغيرة سمعَ شين صوتا من فتحةٍ مقاومة للانفجار تؤدي إلى فتح
برج المراقبة من الداخل. فاعَت زهورُ البنفسج التي لا تتفتّح في الثلوج وكانت
بمثابة إعلان وصولها. الرائحة التي ألِفها شين طوال الشهرين الماضيين... رائحة عطر
لينا.
"ــــ شين؟ لماذا دعوتني طوال الطريق إلى هنا؟ هل حدث خطأ م ــــ؟"
توقّف
سؤال لينا وكان بإمكانِ شين حتى من مسافةٍ بعيدة سماع لُهاثها. وأُفلتت من شفتيها
الوردية كلمة " واو..." من الدهشة. رَنَا بصرها إلى عُلوٍ امتلأَ بعددٍ
لا يحصى من نجومِ سماء الليل ، أنارها لوحده بنورٍ ساطع. غرقَت الشمس التي عادة ما
تحجبهم ولمعَت السماء بصفائها من السحب الفضية للآينتاكسفليكا.
نُسجت
ليلةٌ نجميّةٌ رائعة الجمال.
تألّقت
النجومُ التي جهلت أسماءها ببعثرةٍ حول الكرة السماوية السوداء المخملية مثل
الأضواء المتلألئة. انحدرت المجرات المتدفقة ذات اللون الأبيض اللامع والسُدم
الدوامة عبر السماء من حافةٍ إلى أخرى بشكلٍ مائل.
إنّها
ليلة في أحضانِ ساحة المعركة البعيدة عن المدنِ البشرية ، وبالتالي تفتقر إلى
الضوء الاصطناعي. فرشَ الدّجى السماءَ ليبرز كلّ ما سيادة النجومِ والثلج أكثر.
انسكبَ
الضوء بشكلٍ خافت فوق المظلة الصخرية التي احتفظت ببياضها حتى بعد سنوات من الكشط
والتآكل. طلّ قمرٌ هلاليٌّ رقيق فوق المشهد بالقربِ من ذروة السماء ، ينظر إليهم
مثل الملكة المتجمدة.
أوشكت
لينا على السقوطِ من شدّة ثنيها لعنقها إلى أقصى حد في محاولتها للنظر ، فمدّ شين
يده لإمساكها من ذراعها وجعلها تتمسّك بالسياج الداعم والحامي من السقوط. ترنّحت
وهو يسحبها ببساطة إلى الأمام دون أن تلاحظ ما كان يحدث ، وفقط تتأمّل انعكاس ضوء
النجوم على عينيها الفضيتين.
بعد
الوقوف مذهولة لبضع لحظات ، أطلقت "آه" قصيرة وصرخت بحسرة ،
"...إنه رائع!"
"
نعم... لقد تحدثتِ عن هذا مع كاي ذات مرة ، أتذكرين؟ حول كيف لا يمكنكِ رؤية
النجوم من القطاع الأول ، لذلك أردتِ أن رؤية سماء مرصّعة بالنجوم."
هزّ
شين كتفيه وهي تأسرُ نظراتها نحوه.
"
لسوء الحظ ، لم أُرتّب لكِ حدث انهمار الشّهب ، لكنّي... فكرت في هذا عندما ذهبت
للبحث عن أنجو وداستن. بدَت النجوم مُشرقة جدًا."
بالنسبة
لشين ، كانت السماء المرصعة بالنجوم في ساحة المعركة منظرًا عاديًا ، لكنه تذكر
المحادثة التي أجرتها لينا مع كاي آنذاك. في الثكناتِ القديمة للوحدة الدفاعية
الأولى في قطاع الستة وثمانون... مرة أخرى عندما اعتقدوا أنّ الوقت الذي سيقفون
فيه في نفس المكانِ معًا لن يأتي أبدًا.
"
إذن هذا ما أردت أن تريني إيّاه؟ "
"
أهذا ليس مبررًا له؟ "
" مُطْلَقاً…"
تضاحكَت
لينا ببراءة وأعادت بصرها إلى السماءِ المضاءة بالنجومِ مرّة أخرى. وقد رفرفَ
شعرها في النسيمِ متلألئًا.
آنذاك
في أوائل الربيع عندما غادرت الجمهورية ، لم تأخذ معها سوى ملابسها الشتوية
الرسمية. لذا ارتدت معطفًا من قماشِ الفيدرالية ، وحلّت ابتسامة أثناء تذكرها مدى
سرعة إرسالها.
"
هذا وحده بالتأكيد أحد الأشياء اللطيفة للعيش في قطاع الستة وثمانون ، أليس كذلك؟
"
-
تبسّمَ
ثغر لينا أثرَ تذكّرها كلماتُ فتاة الستة وثمانون تلك قبل عامين ، والتي أدركتها
المنية الآن. ساورها الاعتقادُ الدائم باعتبارِ قطاع الستة وثمانون جحيمًا على
الأرض دُفن فيه شعبه. ولم تفكّر أبدًا بأن تسمع مثل تلك الكلمات من أفواهِ النفوس
المحاصرة هناك.
على
الرغم من أنها لم تكن في نفسِ مكانهم. لم تكن تعرف وجوههم أو حتى أسمائهم.
تسلّلت
نظراتها لمن بجوارِها خلسةً ، باديًا على تقاسيمه تأمُّلًا يجول السماء بسكون ،
وتخبّطًا في عقله يجتاحه الكثير من الأمور. التمسَت لينا وجود الندبة المماثلة
لقطع الرأس والتي أخفاها بياقةِ معطفهِ الطويل حاجبًا عنها رؤيتها.
لم
تسأله لينا أبدًا عن أصلِ تلك الندبة. لا زالت لم تصل للرابطة التي تعرفه جيدًا
وتتجرّأ على سؤاله ، ونظرًا لكونه لا يتحدّث عن نفسه فكلاهما لا يقلّصان المسافة
الكبيرة بينهما. لقد كانوا في نفس المكان ، ووقفوا في نفس ساحة المعركة... لكن تلك
المسافة لا تأبى الانكسار.
حسنًا
، لقد قابلتهُ للتو.
تمامًا
كما قالت جريث. لقد التقيا للتو ، ولم يتعرفوا إلا مؤخرًا على أسماء بعضهم
البعض... وأخيرًا وجوه بعضهم البعض.
لكنها تؤمن في مكانٍ ما في قلبها أنهم
يفهمون بعضهم بشكلٍ أعمق مما يبصره الآخرون. في اللحظة التي ألقت نظراتها عاليًا ،
دَعت اسمه.
"
شين."
" لينا. "
بطريقة
ما تداخلت أصواتهما المُغرّدة معًا.
وتعثّر
كلاهما عن المتابعة وتحديد كيفية الردّ على الآخر. راقبَ الصمتُ استيطانه بينهما
أسفلَ عرش السماء المُشعّ ، ليتعافى بعدها شين أولًا وقال ، "...
استمرّي."
"
أنا آسفة…"
لقد تطلّب
الأمر بعضُ الشجاعة للتحدّث مرة أخرى بسبب الثقة المحطّمة.
"...حول
ما حدث في ذلك الوقت."
شعرَت
قليلًا بعد بدئها أنها مستعدّة ، وبدا أنّ شين لم يمانع الاستماع إليها أيضًا. لذا
غمرتها الراحة وأكملت :
"
أنا آسفة. لقد تماديتُ كثيرًا. "
"…كل
شيء على ما يرام."
"
لكنني حزينةٌ حقًا. لقد قلتُ ما لا يمكنني سحبه من ذاكرتكم. لقد تركتم جميعًا قطاع
الستة وثمانون وحُرّرتم من مصير الموت المُحتم. كان ينبغي أن يكون هذا هو الحال ،
لكن أطلق سراحكم للتو."
لقد
هربوا أخيرًا من ساحة المعركة حيث كانت حريتهم الوحيدة هناك هي تقرير أين وكيف
سيموتون ، لكنهم عادوا بالوقوفِ إلى نفس ساحة المعركة. إنّ القول بأنّ القتال حتى
النهاية المريرة كان فخرًا لهم هو بالتأكيد الهوية الوحيدة التي يتمسكون بها.
والآن بعد أن أصبحوا أحرارًا في الرغبة في المزيد ، فإنهم ببساطة لم يفعلوا.
يمكنهم
الذهاب إلى أي مكان. يمكن أن يصبحوا أي شيء يريدونه. كانوا أحرارًا.
لكنهم
ما زالوا لا يجدون في أنفسهم التفكير في مستقبلهم.
"
الأشياء التي سُرقت منك لا تزال مفقودة ، لذلك لن تتمنى نفس الأشياء في المستقبل.
وجهلكَ لمستقبلك يجعلك لا تطمح فيه. وهذا الفكر... يجعلني حزينة."
مسموحٌ
لكَ أن تتمنى سعادتكَ الآن. مسموحٌ لكَ بتذكّر الأشياء التي سُرقت منك.
تمامًا
مثلما اعترفَ كلّ من فيكا وشيدن وحتى جريث ذات مرّة ، إنّ إخبار الستة وثمانون
بتمنّي تلك الأشياء التي كان جانبها هو الذي قام بسرقتهم منذ البداية كان أمرٌ
متعجرفًا بشكلٍ مخزٍ.
مثلَ
إخبارهم أنها فتحت لهم باب القفص للخروج أحرارًا في الذهابِ إلى أيّ مكانٍ
يريدون... ولكنها أرادت أن يأتوا إليها ، إلى نفس المكان.
لكن
لينا واصلت. وبالتفكيرِ في الأمر أدركت أنّه كان عليها قول هذه الكلمات معًا في
المرة الأخيرة.
"
أعتقدُ أنّ سبب تخليكم جميعًا عن العالم هو لأنكم... طيّبون."
"…طيّبون؟
"
"
نعم."
"
كما قلتِ ، أنا بصراحة... نعم ، لا أهتمُّ بالجمهورية أو الفيدرالية... ولا أعتقد
أنه يمكنكِ تسمية هذا بالطيبة."
وجدت
لينا ثغرها يتبسّم بلا وعيٍ وهي التي لم تكن تعتقد أنّ ذلك ممكن ، ولكن...
"
لا تقل لي أنكَ لم تلاحظ ، شين... أنتَ شخصٌ طيّب ولطيف. لو كنتَ عكسَ ذلك لما
حملتَ ذكريات كل هؤلاء الأشخاص الذين ماتوا معك. ما كنتَ ستحاول تحرير أخيك ، كاي
، وجميع الرفاق الذين خطفهم الفيلق."
"………"
"
أنتَ إنسانٌ طيّب. وكذلك رايدن وثيو وكورينا وأنجو وشيدن وجميع الستة وثمانون
الآخرين. لأنّ اختيار الكراهية سيكون أسهلُ بكثير. لقد كان هذا خطأ الجمهورية حقًا
، لذا فإنّ إلقاء اللوم عليهم وكراهيتهم سيكون أبسط بكثير. ومع ذلك ، لقد مزقتم
جميعًا قلوبكم. لقد شوهتم أنفسكم حتى لا تضطروا إلى إدانة بقية العالم."
تخلّصوا
بأيديهم وإرادتهم من ذكرياتِ السعادة ، وحوّلوها إلى غبار.
"...لأنّ
الشتائمَ كلها تعني خسارة كل شيء."
حتى
آخر جُزء من الفخرِ المتبقي لديهم.
"
نعم. كُنتم فخورين بندوبكم."
حتى
لو سُلبَ منهم وانداسَ عليهم ، فإن كبريائهم الوحيد هو ألّا يتلبّسوا القذارة مثل
مضطهديهم.
"
وأنا لا أخبركَ أن تفقد تلك الندوب. لكن... أريدُ أن أرى لطفكَ يُكافأ.." ،
قالت لينا كأنّها تُحدّثُ نفسها ، على عكسِ شين الذي استمرّ بإيداع بصره نحو
السماء المتلألئة المرصّعة. ثمّ أعلنت تتحدّى العالم القاسي الذي لم يسمح بالحياة
للناس :
"
أولئك الطيبون يحق لهم أن يكونوا سعداء. أولئك من فقط يجب أن يكافأوا. وإذا لم يكن
العالم البشري بهذه الطريقة في الوقت الحالي ، فعندئذ أريد أن يكون على هذا
النحو... لأنّ هذه هي الطريقة التي يجعل الناس فيها مُثُلهم حقيقة ، شيئًا
فشيئًا."
أتمنى
أن يكون هذا العالم مكانًا عادلًا ولطيفًا. ليومٍ واحد.
-
ظلّ
شين صامتًا عند سماع كلمات التصريح التي تشبه الترانيم. لقد كانت فكرة لا يمكن أن
تتحقق أبدًا.
لقد
كانت مجرّد أمنية ، حلمٌ بعيد المنال لا تسمح له الحقيقة أبدًا بأن تتحقق ،
وجمالها هو نعمة إنقاذهم الوحيدة.
ولكن
على الرغم من رأيه الذي يؤمن به ، وبقدرِ ما كان من السهل تجاهل ما قالته لينا ،
إلا أنه لسببٍ ما لم يستطع قول هذه الأفكار التي خطرَت في كلمات.
البحر.
الكلماتُ
التي قالها قبل ستة أشهر في تلك المقبرة العسكرية الثلجية. أراد أن يُظهرَ لها.
يُظهر لها كل الأشياء التي لا يمكنهم رؤيتها الآن. هذا هو السبب الحالي لقتاله.
والآن ، حتى مع العلم أنّ العالم الذي كانت لينا ترغب في رؤيته هو العالم الذي لم
يكن موجودًا ولن يكون موجودًا في أي مكان ، لم يستطع شين أن ينكر ذلك.
"
أنا آسفة. وجّهتُ هذه المحادثة في اتجاهٍ غريب. كنتَ تحاولُ أن تقولَ شيئًا أيضًا
، أليس كذلك ...؟ "
"………نعم…"
بعد
أن خرجَ من صدمته للحظة ، حاولَ استجماع شجاعته مرّة أخرى.
حسنًا ، ما الذي أرادَ قوله ليدعوها إلى هنا؟ قبل الشروع في عملية جبـل التنيـن فانـغ ، وقبل أن يكتشفوا ما إذا كانت المعلومات التي سيجمعونها في نهاية هذه العملية ستغير كل شيء للأفضل أم للأسوأ.
"
لينا ، إذا اشتبهت الفيدرالية والمملكة المتحدة في أنّ الملكة عديمة الرحمة هي
الرائدة زيلين بيركينباوم ، وهي تعرف طريقة ما لوقفِ الحرب..."
وهذا
على الأرجح لن يحدث. على عكسِ كلماته ، لم يحمل شين مثل هذه التوقعات من زيلين. من
المحتمل ألا تنتهي الحرب. ولكن إذا كان يمكن...
"
إذا كانت هذه الحرب ستنتهي حقًا... فعندما يحدث ذلك ــــ"
فجأة
، ابتُلعت كلماته.
دعينا
نذهب إلى البحر. إذا كان ذلك ممكنًا ، فلنذهب ونرى شيئًا لم نرهُ من قبل. معاً.
ظنّ
أنه يمكنه قولها. لقد سمع لينا تقول أنها ترغبُ برؤيةِ المحيط ، لكنه لم ينقل لها
هذه الكلمات أبدًا. أراد أن يخبرها. وهذا وحده لا يمكن أن يكون كذبة.
أريد
أن أريكِ البحر. هذا هو سبب قتالي الآن.
ولكن
في الثوانِ التي أوشكَ على بوحِها... ارتفعت الشكوك الذاتية من قلبه مثل فقاعات
الصابون المتجمدة إلى حلقه.
أريدُ
أن أريكِ البحر. ليس ساحة معركة حيث أموت دون أن أنجز أي شيء حقًا. أريد أن أريكِ
شيئًا آخر غير هذا العالم ، الذي وخزته نيران الحرب. يمكنني أخيرا أن أتمنى هذا.
ولكن ماذا بعد...؟
ماذا
بعد أن أريها البحر؟ ماذا تتمنى لينا بعد ذلك؟ ماذا ستدعني أتمنى أنا أيضًا؟ وإلى
متى سيستمر؟
بصدقٍ
لم يُرد شين رؤية البحر. هذا لم يتغير قط. لم يكن هناك شيء يريده لنفسه. وكان
خواءٌ غير مفهوم له. توقّفَ بشكلٍ انعكاسي عن التفكيرِ بالأمر ولكن ظلّ الشكُّ
قائمًا.
القتالُ
هو فخر الستة وثمانون. ولكن إذا كان هذا هو الحال ، إذا كان عليهم القتال والبقاء
على قيد الحياة...
-نهاية
الفصل الثاني.
[كادر العمل]
ترجمة وتدقيق: pandoravanitas@
تبييض وتحرير : abdHD__@
تعريب الغلاف وتنسيق المجلد: abdHD__@
ملونة الصورة التوضحية الرابعة: xLilaSx@




.jpg)
